في جسمنا الكثير من العجائب، يقول الله تعالى ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) صدق الله العظيم و الكبد احد الأعضاء المذهلة، فهو أكبر عضو في جسم الإنسان و يؤدي 500 وظيفة حيوية، و تتم داخله عمليات كيميائية بالغة التعقيد بحيث يستحيل على الإنسان محاكاتها حتى في أحدث المختبرات، هذه المقالة ستأخذنا في رحلة إلى هذا العضو العجيب لنكتشف أسراره، سنتعرف على بعض وظائفه التي يؤديها في أجسامنا، ثم المخاطر التي تهدد سلامته.
الكبد نظرة عامة
لو طلب منك شخص تحديد مكان الكبد في جسدك فيجب أن تضع يدك اليمنى أسفل قفصك الصدري بقليل، هناك يتموضع الكبد، و لو تفحصت كبد كبش مثلا فستجد أنه مقسم إلى أربعة أجزاء تسمى الفصوص، و تلتصق به في الأسفل ما يعرف بالمرارة.
من وظائف الكبد المذهلة تخزين الطاقة
تصور معي لو أن شخصا أعطاك مبلغا وفيرا من المال، و لكنك لست في حاجة إليه كاملا فقد تلجأ للطريقة التالية ستأخذ ما تحتاجه و الباقي تشتري به ذهبا و تخزنه، فإذا احتجت إلى المال فستبيع بعض الذهب، يفعل كبدك شيئا مشابها لكن مع السكر الذي يمد أجسادنا بالطاقة كيف يتم ذلك؟
عندما نأكل وجبة غنية بالسكريات فإن المعدة تتولى عملية الهضم، ثم يمر الطعام بعد ذلك إلى المعي الدقيق حيث يتم امتصاص المواد المغذية ثم يقوم الدم بنقل كل تلك المواد الى مصنع الجسم ألا و هو الكبد ، هنالك تبدأ عملية المعالجة و التخزين، فالسكر الذي يحتاجه الجسم فورا يتم إرساله مع الدم على شكل نوع تستطيع خلايا الجسم الاستفادة منه هو سكر غليكوز او كما شبهناه بالمال. أما السكر الذي لا يحتاجه الجسم حاليا فسيخزنه الكبد على شكل نوع من السكر يسمى الغليكوجين الذهب.
عندما يكون الجسم في حاجة إلى الطاقة كما يحدث عند الصيام مثلا، يقوم الكبد بفتح مخازن الغليكوجين، يحوله أولا إلى غليكوز، ثم يطلقه في الدم ليستفيد منه الجسم.
ما الذي سوف يحدث في نظرك لو تضرر الكبد و توقف عن تأدية هذه الوظيفة الحيوية ؟ النتيجة سوف يشعر الإنسان بالغثيان دوما عندما لا يتناول طعاما غنيا بالسكر، لأن مخازن السكر في جسده لم تعد تعمل.
إلا أن الكبد لا يخزن فقط السكريات وحدها، فالدم القادم إليه من الأمعاء الدقيقة غني بمواد مغذية أخرى، فيقوم بتخزين بعضها و يرسل الأخرى، يفعل كل ذلك دون هامش خطأ لأن الخطأ هنا قد يكون قاتلا.
إن الدم الحامل للمواد المغذية و الذي يمر عبر محطة الكبد يحمل أيضا معه أشياء لا نفع لها، بل و أحيانا أشياء خطيرة كالسموم، فكيف سيتعامل الكبد معها هنا يأتي الدور الثاني للكبد و هو تصفية الجسد من السموم.
تصفية الجسد من السموم
توجد السموم في كل مكان حولنا، و قد يمر بعضها إلى طعامنا و شرابنا بشكل عرضي، هذه السموم و إن كانت بمقدار ضئيل إلا أنها إذا تراكمت في الجسم فسيموت الفرد بفعل التسمم، لكن ذلك لا يحدث لأن هناك عضو يتولى مهمة تخليصنا منها إنه الكبد.
فبعد أن تنتهي عملية الهضم و ينقل الدم المواد المغذية إلى الكبد، يقوم هذا الأخير بذكاء منقطع النظير بتحديد المواد السامة ثم يشرع في تفكيكها إلى مواد لا تشكل خطرا على الجسم، فالكحول مثلا يقوم بتفكيكه إلى ماء و ثاني اوكسيد الكربون و هي عناصر يستطيع الجسم التعامل معها.
في حالة ثانية يقوم بإزالة تلك المواد السامة بالكامل، من أجل ذلك فهو ينتج مادة تسمى الصفراء، هي عبارة عن سائل أصفر مر الطعم يأخذ معه المواد السامة إلى الأمعاء الغليظة ثم تخرج مع فضلات الإنسان.
لذلك يمكننا القول أنه لولا وجود الكبد لتسمم الإنسان. لكن وجود عضو فريد يؤدي هذه المهمة لا يعني أنه في وسعنا تناول ما نريد دون الانتباه إلى جودة الطعام، لا تضع كبدك على المحك.
تفكيك الدهون
عندما تتناول وجبة غنية بالدهون كزيت الزيتون، الأسماك، الافوكادو و غيرها فإن جهازك الهضمي سوف يعول و بنسبة كبيرة على الكبد في هضم هذه المواد، فكيف يتم ذلك؟
يصعب على المعدة و الأمعاء الدقيقة أن تهضم الدهون، لذلك يأتي دور الكبد ليمد يد المساعدة، فينتج مادة الصفراء التي تلعب أيضا دور العصارة هضمية، تخزن في كيس صغير ملتصق بالكبد يعرف بالمرارة.
بعد أكل وجبة دسمة غنية بالدهون تبدأ الصفراء في الخروج من المرارة، فتفكك الدهون و يصبح في استطاعة جسمك الاستفادة منها.
أيضا جزء من الصفراء يرسلها الكبد مباشرة إلى الأمعاء الدقيقة لتؤدي نفس العمل.
لو تضرر كبد الإنسان فمن ذا الذي سيؤدي هذه الوظيفة؟
تفكيك مكونات الدواء
عندما تشعر بصداع في رأسك و تقرر شرب دواء فان هذا الأخير سيسلك نفس مسلك الغداء، سوف يتجه هو كذلك إلى الكبد حيث سيقوم هذا الأخير بتفكيكه، و أخد العناصر الفعالة فيه، و يرسلها إلى أنحاء الجسم ليستفيد منه، و هكذا يختفي ألم الرأس، فإذا ما تضرر الكبد فسيصبح الدواء عديم الفعالية.
عضو قادر على التجدد
يعتبر الكبد العضو الوحيد في جسم الإنسان القادر على تجديد نفسه، فلو تم بتر جزء منه فستسارع خلاياه للانقسام و التكاثر لإعادة ذلك الجزء، في سنة 1931 قام علماء باستئصال جزء من كبد جرذ ثم سرعان ما عاد كبده إلى حجمه الطبيعي بعد 7 أيام فقط.
خلايا الكبد تكون نائمة لكن بمجرد ما يحدث عطب في الكبد تستيقظ فورا من سباتها، ثم تبدأ في التواصل فيما بينها، و تشرع في الانقسام لتتكاثر، و تستمر في ذلك حتى يعود الكبد إلى حجمه الطبيعي فتتوقف، أما كيف تعلم هذه الخلايا مكان الخلل بالضبط، و من يخبرها بأن عليها أن تتوقف لا أحد يملك الإجابة.
يستغل الأطباء هذه الخاصية الفريدة التي لدى الكبد عند القيام بعملية زراعة الكبد، فالأطباء يزيلون الكبد المتضرر و يزرعون مكانه فقط جزءا من كبد شخص سليم، ذلك الجزء سيشرع في النمو من تلقاء نفسه حتى يعود لحجمه الطبيعي.
بعد كل هذه الوظائف الحيوية التي يؤديها الكبد كيف يمكننا يا ترى أن نكافئه على صنيعه؟ في الحقيقة أفضل ما يمكن أن تقدمه لكبدك هو أن لا تتسبب في إتلافه، في الواقع الكثير من الناس يدمرون كبدهم، و الملايين منهم ينتظرون أن يجود عليهم متبرع بجزء سليم من الكبد لينقدوا أنفسهم من الهلاك، يعد شرب الكحول السبب الرئيسي للكثير من أمراض الكبد، لأن هذا الأخير يبذل مجهودا كبيرا من أجل تفكيكه، و يتسبب في إجهاد كبير لخلاياه، أيضا إذا أردت أن تبقي على كبدك سليما فابتعد عن كل ما يتسبب في إتلافه كالعلاقات الجنسية الغير شرعية، تناول المخدرات عن طريق الحقن، عدم الاهتمام بجودة الطعام و الشراب، فكل ذلك يعرض الكبد للإصابة بالالتهابات خطيرة قد تقود إلى السرطان كالتهاب الكبد الفيروسي أ و ب و ج
المصادر
الاستاذ الدكتور عبد الرحمان الزيادي. الكبد الدليل المتكامل للكبد. دار الشروق . 2009.