قبل سنة 1972 لم يكن لدولة الامارات العربية وجود إذ كانت مجرد مجموعة من الامارات المستقلة تركها الاستعمار البريطاني في وضعية اقتصادية و اجتماعية حرجة، و كان لكل إمارة شيخ يحكمها، فكانت هناك إمارة أبو ظبي و إمارة دبي و الشارقة و عجمان و أم القوين و الفجيرة و رأس الخيمة حتى قام حاكم ابو ظبي الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان بدعوة كل الامارات للاتحاد تحت كيان واحد، و قد تكلل هذا الاتحاد بالنجاح، و تشكلت دولة الامارات العربية سنة 1972، بيد أن جزءا من هذا النجاح يعود الفضل فيه لدولة تبعد بالآلاف الكيلومترات عن الامارات، و لكنها قريبة منها بحكم الروابط الدينية و الثقافية و هي المغرب.كيف دعم المغرب نشأة الامارات العربية المتحدة؟
الامارات العربية قبل الاتحاد
لقد كانت بريطانيا منذ القرن التاسع عشر تهيمن على منطقة الخليج العربي بما فيها الامارات بحيث أن حكام هذه الاخيرة لم يكن لهم مطلق الحرية في تسيير شؤونهم، و لم يسيطر البريطانيون على هذه المنطقة من أجل استغلال ثروات طبيعية معينة بل لتأمين مرور سفنهم التجارية المتجهة من و إلى الهند.
ثم وقع حدث هام غير مجرى التاريخ في المنطقة ألا و هو اكتشاف البترول في الثلاثينات من القرن العشرين في كل من السعودية و البحرين، ثم في الأربعينات في الكويت و امارة أبو ظبي، عندئذ بدأت المنطقة تكتسب أهمية كبيرة و لم تعد مجرد طريق صوب الهند، و أصبحت الدول العظمى تتنافس فيما بينها ليكون لها السبق في استغلال البترول الذي هو عصب الاقتصاد.
كانت بريطانيا هي المستفيد الأول نظرا لتواجدها في المنطقة إذ كانت امتيازات استغلال النفط تقدم للشركات التابعة لها، لكن كانت تنافسها أيضا الولايات المتحدة التي أخذت تتطلع هي الأخرى لكسب المزيد من النفوذ في المنطقة، ثم لا ننسى مملكة ايران التي كانت خلال حكم الشاه رضا بهلوي قوة لا يستهان بها.
هكذا وجد سكان الإمارات التي كانت متفرقة أنفسهم هدفا لأطماع الدول الكبرى، و كانوا يستشعرون خطر البقاء على تلك الحالة من التفرقة، و في نفس الوقت فإن سكان تلك الإمارات كانوا يتابعون كل الاحداث الجارية آنذاك في المشهد العربي من قيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958 و انتشار أفكار القومية العربية، و الدعوى للتحرر من الاستعمار.
و مع انتشار الحركات التحررية في مختلف أنحاء العالم فقد قررت بريطانيا سنة 1968 الانسحاب رسميا من الخليج.
بداية تشكل الامارات العربية المتحدة
لقد كانت بداية الفكرة مع حاكم امارة أبو ظبي الشيخ زايد حيث اجتمع مع حاكم دبي ليقترح عليه فكرة الاتحاد ثم سرعان ما عرضت الفكرة على حكام الامارات الاخرى بما فيهم إمارة قطر و البحرين.
تشكل الاتحاد سنة 1968 و تقلد الشيخ زايد رائد الفكرة منصب رئيس البلاد.
بيد أن هذا الاتحاد لم يمر دون مشاكل، فقد كانت إمارة البحرين تضم أكبر عدد من السكان لذلك أصر حاكمها على أن تكون لها الكلمة العليا في الاتحاد، و نفس الاتجاه ذهبت إليه قطر التي كانت تتمتع بوضعية اقتصادية أفضل، و بسبب عدم الوصول إلى حل يرضي الجميع فقد قررت كل من قطر و البحرين الانسحاب من هذا الاتحاد سنة 1970.
ثم بعد ذلك بدأت غيوم المشاكل تتبدد، و أخذت الامارات الستة تتحد فيما بينها، و هي كالتالي امارة أبو ظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم قوين، و الفجيرة ثم انضمت إليهم امارة رأس الخيمة.
و في اجتماع حكام الامارات في 2 ديسمبر سنة 1971 تم إصدار البلاغ التاريخي التالي:
يزف المجلس الأعلى هذه البشرى السعيدة إلى شعب الامارات العربية المتحدة و كل الدول العربية الشقيقة و الدول الصديقة، و العالم أجمع معلنا قيام دولة الامارات العربية المتحدة، دولة مستقلة ذات سيادة و جزءا من الوطن العربي الكبير.
كيف دعم المغرب نشأة الامارات العربية المتحدة؟
الكثير من الدول العربية رفضت الاتحاد الاماراتي و عارضت قيامه كسوريا و العراق و الجزائر و اليمن الجنوبي.
ثم بعدما تأسس الاتحاد تقدم رئيس الامارات زايد بطلب إلى الامم المتحدة من أجل الاعتراف بدولته لكن الامر لم يكن سهلا، لأن البلاد كانت لا تزال في بداياتها الأولى، و لا تتوفر على ما يكفي من المؤسسات حتى يتم الاعتراف بها كدولة ذات سيادة، و كان لابد من الاستعانة بدولة معينة لتقوم بدور الكفيل، فكر زايد في القيام بزيارة لبريطانيا ليطلب منها المساعدة لكن قبل أن يتجه اليها كان ملك المغرب الحسن الثاني رحمه الله قد علم بالأمر، فقرر تعيين سفير المغرب لدى الامم المتحدة عبد الله الشرفي ليتكفل بملف الامارات، و ليلعب المغرب دور الكفيل لهذه الدولة الفتية.
إضافة إلى ذلك فقد سمح ملك المغرب للإمارات باستخدام عملة المغرب الدرهم المغربي لفترة من الزمن، و إلى اليوم فإن الامارات لم تغير اسم العملة و التي هي الدرهم الاماراتي.
المساعدة في بناء الجيش
لقد حرك اكتشاف الثروة النفطية في الامارات أطماع الدول الكبرى و خاصة الجارة الشرقية إيران و التي رغم تحول نظام الحكم فيها سنة 1978 من ملكية إلى جمهورية فإن أطماعها في الخليج العربي ككل لم تتغير ،كان لا بد للإمارات أن تمتلك جيشا منظما و جهاز استخبارات يعمل بكفاءة عالية حتى يقف بالمرصاد للمؤامرات التي تحاك ضد الدولة، مرة اخرى أتى الحل من المغرب فقد أرسل الملك الحسن الثاني رحمه الله شخصيات أمنية رفيعة المستوى من أجل هيكلة الجهاز الامني للإمارات العربية المتحدة. .على رأسهم الجنرال حميدو العنيكري الذي وافته المنية سنة 2023 .
و مما يؤكد مثانة العلاقة بين البلدين أن الشيخ زايد رحمه الله قد أرسل ابنه محمد بن زايد الذي هو حاكم الامارات حاليا إلى المغرب من أجل أن يتلقى تعليمه و هو لا يزال في الرابعة عشر من عمره. و كان الشيخ زايد يحرص غاية الحرص على ألا يتلقى ابنه أي معاملة تفضيلية.
إن العلاقات المغربية الاماراتية هي علاقة أخوية تقوم على الاحترام و التعاون فهي علاقة متينة بين دولتين شقيقتين. تدعمان بعضهما البعض في السراء و الضراء.