You are currently viewing أسرار اللغة العربية

أسرار اللغة العربية

تقول المستشرقة الالمانية زيغريد هونكه عن اللغة العربية ” كيف يستطيع الانسان أن يقاوم جمال هذه اللغة و منطقها السليم و سحرها الفريد، فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى تلك اللغة”.  العربية أحد أقدم لغات العالم و أكثرها تميزا بغنى مفرداتها و بلاغتها ثم إنها تكتسي مكانة خاصة عند المسلمين لكونها لغة القران الكريم و السنة النبوية، و لقد شهد على عظمة و كمال هذه اللغة علماء الغرب و الشرق. هذه محاولة لاكتشاف بعض أسرار اللغة العربية و ذلك على أمل أن يزداد اعتزازنا بها و نعمل جميعا على إعلاء شأنها.

نظرة عامة عن اللغة العربية

اللغة العربية هي رابع أكثر اللغات المحكية في العالم بعد كل من الصينية و الانجليزية و الهندية، و هي من أقدمها كذلك، تنقسم اللغة العربية إلى قسمين العربية الكلاسيكية و هي العربية القديمة التي كانت سائدة منذ ما قبل الاسلام و اللغة العربية الفصحى الحديثة المتداولة في الصحف و الكتب اليوم، و في وسع الناطق بالعربية فهم كلا القسمين بسهولة، هناك 27  دولة تعتمد العربية كلغة رسمية كما أنها من اللغات الرسمية الستة في الأمم المتحدة إلى جانب كل من الانجليزية الفرنسية الروسية الاسبانية و الصينية.

اصل اللغة العربية

حسب تصنيف علماء اللغة فإن العربية تنتمي إلى اللغات السامية بمعنى أنها ترتبط بعلاقة قرابة مع اللغة العبرية و الفينيقية التي اندثرت، يعتقد أن العربية قد انحدرت من اللغة البابلية التي كان يتحدث بها سكان العراق قبل 3000 سنة ثم تطورت شيئا فشيئا حتى اتخذت شكلها الحالي لكن هذا التطور و مراحله مبهم جدا، و قد دفع هذا الغموض في تاريخ اللغة العربية المستشرق الفرنسي رينان للقول في كتابه تاريخ اللغات السامية:

“إن انتشار اللغة العربية ليعتبر من أغرب ما وقع في تاريخ البشر كما يعتبر من أصعب الأمور التي استعصى حلها فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ ذي بدء فبدت فجأة على غاية من الكمال فليس لها طفولة و لا شيخوخة ظهرت أول أمرها تامة مستحكمة و لا أدري هل وقع مثل هذا للغة من لغات الارض”

فالحقيقة المؤكدة هو أنه لا أحد يعلم على وجه التحديد كيف استطاعت هذه اللغة التي تمتلك خصائص عجيبة من كثرة المفردات و دقة التعبير و البلاغة أن تظهر بين أناس لم تكن لهم أي حضارة مرموقة قبل الاسلام.

أسرار اللغة العربية

الثبات

التغيير من خصائص اللغات، فجيل بعد جيل تظهر كلمات جديدة و تندثر أخرى أو يتغير مدلولها و بفضل هذا التغيير الذي عادة ما يكون بطيئا تتفرع لغات جديدة من اللغة الأم، فمثلا انبثقت من اللاتينية التي كانت سائدة في ايطاليا قديما معظم لغات جنوب أوروبا كالايطالية و الاسبانية و البرتغالية و الفرنسية، بيد أن اللغة العربية تشكل استثناءا فهي لم يصبها إلا القليل من التغيير، و خير دليل على ذلك أنه في وسع العربي أن يقرأ المعلقات التي كتبت قبل الاسلام و أن يقرأ القران الكريم و السنة النبوية رغم مرور 14 قرن على نزولهما و هذا ما لا يتأتى للناطقين بلغات اخرى، إذ يصعب على الانجليزي قراءة كتاب الملك جيمس الذي ألفه شكسبير في القرن 17 دون أن يستعين بقاموس يترجم الانجليزية القديمة، أما قراءة نص انجليزي يعود للقرن 12 فهو بمثابة قراءة نص ينتمي للغة اخرى.

و يحدث نفس الامر في الهند فالسنسكريتية هي أصل اللغة الهندية، و هي التي كتبت بها كتب الهندوس الدينية لكن لا يستطيع الهندي ان يفهم من تلك النصوص شيئا دون أن يتعلم السنسكريتية، التي تبدو و كأنها لغة مغايرة تماما للهندية الحالية.

ثم أضف الى ذلك أن نطق الكلمات في العربية بقي كما هو دون تغيير و هذا ما لا نجده في اللغات الأخرى التي تغير نطق كلماتها كثيرا، و دليل ذلك وجود أحرف في الكلمة لا تنطق، ففي الفرنسية قد يستغرب المرء كيف أن longtemps    تقرا  lan tan   و الحقيقة أنها كانت تنطق بكل حروفها قبل أن يحصل لها هذا التغيير، و  يوجد في اللغة الانجليزية كلمات كثيرة من هذه الشاكلة. فمثلا كلمة know تعني يعلم تنطق حاليا now و لو عدنا الى القرن السادس عشر فسنجد أن حرف k كان ينطق أيضا.

الاشتقاق

رغم أن اللغة العربية قد تبدو للوهلة الاولى صعبة إلا أنها في الحقيقة ليست كذلك و مما يجعلها لغة سهلة التعلم وجود ما يعرف بالاشتقاق، حيث انه و انطلاقا من فعل أو كلمة واحدة تشتق كلمات كثيرة جد مترابطة فيما بينها، و بالتالي يمكن أن نقترب من فهم معنى كلمة انطلاقا من مصدرها و هذه ميزة تتفوق فيها اللغة العربية على لغات العالم أجمع،  فمثلا من فعل كتب اشتقت الكلمات التالية كتاب، مكتبة، مكتب و نفس المثال باللغة الفرنسية يعطينا كتب écrire  بينما مكتبة هي  bibliothèque و كتاب هو  livre  و مكتب هو bureau   و هي كلمات لا توحي بمعنى مشترك. و لو نقلنا نفس المثال إلى اللغة الانجليزية فسنجد الأمر ذاته.

و بالتالي فالكثير من كلمات اللغة العربية لا تتطلب من السامع سوى القليل من التركيز ليتوصل إلى معناها اعتمادا على مصدرها، فمن خلال كلمة عدو ستعرف معنى اعتدى و عدوان و عداء و عدا لأنها تشترك كلها في معنى الظلم و التجاوز.

من فوائد الاشتقاق إمكانية إضافة كلمات جديدة للغة العربية بسهولة ككلمة حاسوب انطلاقا من فعل حسب و مذياع من اذاع….

إن الاشتقاق هو الذي يجعل من كلمات اللغة العربية مترابطة ارتباطا وثيقا و يغني عن إضافة كلمات جديدة.

كثرة المفردات

في معرض الحديث عن أسرار اللغة العربية لابد أن نذكر أحد اهم مميزات هذه اللغة ألا و هو كثرة المفردات، فاللغة العربية مكونة من  12.302.912  كلمة أما الانجليزية فتمتلك فقط 600.000 كلمة و اللغة الفرنسية 150.000 و هذه الاحصائيات تضمنت الكلمات بدون تكرار و هي تظهر بجلاء البون الشاسع بين العربية و باقي اللغات الحية في هذا المضمار.

و أحد الأسباب المفسرة لهذا الكم الهائل من الكلمات في العربية هو كثرة المترادفات فللسنة 21 اسم و للنور 24 و هكذا.

البلاغة من أسرار اللغة العربية

البلاغة هي التعبير عن معاني كثيرة بأقل قدر من الكلمات، فكل من أفهمك حاجته من غير إعادة او إطالة فهو بليغ، و العربية لغة البلاغة، و القران الكريم و الاحاديث النبوية يمثلان قمة البلاغة العربية.

يقول الله تعالى  ” ولكم في القصاص حياة “معناها أنه عندما يتم اخد القصاص من مرتكب جرم فهذا يكون رادعا للآخرين و بذلك تحفظ حياة الناس، كل هذا المعنى اختزل في اية قصيرة.

قال الرسول عليه السلام “سيروا سير أضعفكم  فعلى الناس في السفر أن يسيروا بسرعة صاحب الدابة الضعيفة أو الشخص الضعيف و ذلك حتى يحافظوا على وحدة القافلة، و يقال أيضا الضعيف أمير الركب بحيث ينبغي أن يتخذ الضعيف قائدا للقافلة و هكذا فبعبارة وجيزة تم إيصال معاني كثيرة.

يقول الرسول صلى الله عليه و سلم في حديث أخر “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”

أي اترك أي شيء تشك فيه و يقلق قلبك منه و تمسك بما تيقنت منه و اطمأننت إليه فإذا أتاك شيء و ساورك الشك اتجاهه هل هو حرام أم لا فدعه.

و من روائع البلاغة هذا النص لابن القيم الجوزية الذي يقول فيه:

كلما طهر القلب رق، فإذا رق راق، و إذا راق ذاق، و إذا ذاق فاق، و إذا فاق اشتاق، و إذا اشتاق اجتهد و إذا اجتهد هبت عليه نسائم الجنة، فيفرح بالطاعة، و من ذاق عرف، و من عرف اغترف، و من اغترف نال الشرف، اللهم اجعلنا ممن راقوا و ذاقوا و فاقوا واشتاقوا فاجتهدوا..

التعريب

لطالما حاول الكثيرون الترويج لفكرة مفادها أن العربية لا تصلح لتكون لغة علم و معرفة نظرا لصعوبة ترجمة كلمات اجنبية، و هذه الدعوى يكذبها التاريخ جملة و تفصيلا فالكثير من الكلمات في اللغة العربية ليست عربية في الأصل و انما تم استيرادها و استخدامها بعدما ألبست بثوب عربي، و هذا ما يعرف بالتعريب، فالحضارة الاسلامية قد احتكت بالحضارات العالمية انذاك كالفارسية و اليونانية و الهندية فاقتبست العربية الكثير من المفردات من هذه الشعوب سواء في الأدب أو العلوم او الادارة و بالتالي استطاع العرب بعد الاسلام أن يلحقوا بالركب الحضاري بسهولة، و أن يستفيدوا من علوم الحضارات الاخرى دون حاجة لتغيير لغتهم.

فهناك مفردات كثيرة مثلا تم تعريبها من اللغة الفارسية كإسترلاب، خنجر، البابونج، طائر الباز، البيمارستان، الجاموس، برنامج، فهرس، الديباج، السندس و غيرها كثير و من اللغة الهندية نجد المسك، و الكافور و الزنجبيل و فوطة و القرنفل …

هذه كانت بعض أسرار اللغة العربية  التي جعلتها أحد أكثر لغات العالم تميزا و مع ذلك يستغرب المرء و يقف مشدوها امام درجة التنقيص و الاقصاء الذي تتعرض له هذه اللغة من الداخل و الخارج.ما اساليب ذلك سوف تجدونه في المقال الموالي محاربة اللغة العربية.

اترك تعليقاً