You are currently viewing الازدحام المروري معضلة المدن الكبرى

الازدحام المروري معضلة المدن الكبرى

الازدحام المروري معضلة تواجهها الكثير من المدن الكبرى، فسواء كنت في لوس انجلوس، بومباي، بكين أو القاهرة لا شيء يمثل كابوسا بالنسبة لمستعملي الطريق كالقيادة في أوقات الذروة، لدرجة يصبح معها التنقل مشيا على الأقدام أفضل من استخدام المركبات، ما أسباب الازدحام المروري في المدن الكبرى؟ و كم يكلفها ذلك من خسائر؟ كيف يمكن الحد منه؟

ازدحام مروري تاريخي

ليس فينا من لم يختبر  مرارة الانتظار في الازدحام المروري، بيد أن حركة السير غالبا ما تعود لمجراها الطبيعي بعد مضي بضع ساعات على أكثر تقدير،  لكن هل سبق لك أن سمعت باختناق مروري دام عشر أيام؟  هذا ما حدث بالضبط في الصين سنة 2010 و التي شهدت أضخم ازدحام مروري على مر التاريخ،  فلقد تسبب في تعطل السير بشكل تام على طول 90 كيلومتر لمدة 10 أيام متوالية،  لدرجة اضطر معها السائقين لترك مركباتهم و افتراش قارعة الطريق،  كان اكبر المستفيدين من هذا الازدحام هم الباعة المتجولون الذين باعوا بضاعتهم باثمنة باهظة، لدرجة أن قنينة ماء ثمنها 1 يوان أصبحت تباع ب 15 يوان صيني.

ما سبب الاختناق المروري بالمدن الكبرى؟  

طبعا بما أن المدن الكبرى هي موطن لعدد كبير من السكان، و لأن ثمن السيارات فيها هو في متناول شريحة كبيرة من الناس، فإن عددها يتزايد يوما بعد يوم، في وقت تظل فيه الطاقة الاستيعابية للطرق على حالها، يظل هذا هو السبب الرئيسي في تشكل الازدحام المروري خاصة في ساعات الذروة، بأماكن معينة من المدن كنقاط التقاطع الرئيسية،   القناطر، المدارات.

لقد أضحى  الازدحام المروري جزءا من الحياة اليومية في مدن كلوس انجلوس، بومباي،  القاهرة، ليما، مكسيكو، ريو دي جانيرو و يتسبب في إهدار الكثير من الوقت، ففي بومباي مثلا قدر أن الشخص يقضي في المتوسط 11 يوما من السنة في زحمة السير، و إذا أخدنا مثلا  نسبة الازدحام المروري في مدن العالم الكبرى1، فسنجد أنها تصل في بومباي ل% 65،  ليما% 58،  موسكو% 56،  القاهرة% 44 ما الذي تعنيه هذه النسب؟ لنأخذ على سبيل المثال ليما  التي تبلغ نسبة ازدحامها المروري %58،  فهي تعني أنه إذا كانت رحلة تستغرق 4 ساعات في حركة السير العادية فعلى السائق أن يضيف نسبة% 58 إلى الوقت الأصلي أي ما يمثل ساعتان و نصف، و هي التي سيضيعها  في زحمة السير، و بذلك ستصبح مدة الرحلة 6 ساعات و نصف.

الخسائر الاقتصادية للاكتظاظ المروري

هذه المدد الزمنية الطويلة التي يقضيها الناس و هم عالقون في الازدحام المروري ، تشكل خسائر اقتصادية فادحة، فالسير و التوقف يجعل المركبات تستهلك وقودا أكثر، و هو ما يضيف عبأ ماليا على السائقين، استهلاك أكثر للوقود يعني تلوثا أكثر، فالغازات التي ستخرج من عوادم الآلاف السيارات ستجعل جودة الهواء سيئة للغاية، و هذا سيؤثر بدوره سلبا على صحة الناس، لقد حاول العلماء أن يحددوا تكلفة الازدحام المروري بالأرقام. و ذلك بجمع الوقت الضائع و تكلفة البنزين الإضافية و غير ذلك. فكانت خسائر مدينة نيويورك 10 مليار دولار سنويا، جاكرتا 5 مليار دولار، القاهرة 8 مليار دولار سنويا، مما لا شك فيه أننا أمام خسائر فادحة ، تشير إلى أن الازدحام المروري أصبح يشكل عبئا اقتصاديا لا يستهان به، لذلك فالتفكير في إيجاد حلول عملية له أضحى أمرا ضروريا للغاية.

القاهرة كمثال

لنأخذ على سبيل المثال حالة القاهرة، فبتعدادها السكاني الذي يصل ل 15 مليون نسمة فإن عاصمة مصر تعتبر المدينة الأكثر سكانا في إفريقيا، إن التنقل في شوارع هذه المدينة في ساعات الذروة هو أشبه بكابوس، فالمركبات في بعض الأماكن تتحرك بسرعة بطيئة للغاية من 15 إلى 40 كيلومتر في الساعة، في حين كان من المفترض أن تسير بسرعة 60 إلى 80 كيلومتر في الساعة، حركة السير في بعض المحاور تتوقف بشكل شبه تام،  يتوجب على المرء دائما في القاهرة أن يضع في الحسبان وقتا إضافيا قد يصل لساعات إذا ما أراد الوصول في الوقت المحدد.

لا تختلف أسباب الازدحام المروري في القاهرة عن بقية مدن العالم، فالقاهرة كما سبق الذكر ذات تعداد سكاني هائل، أضف إلى ذلك الأهمية الاقتصادية للمدينة مما يجعلها محجا للآلاف المركبات القادمة يوميا من كل أنحاء مصر، هناك أيضا الدعم الذي تقدمه الحكومة للبنزين مما يجعله في متناول الكثيرين، هذا دون إغفال سلوكيات بعض السائقين الذين يركنون سيارتهم في الشوارع الرئيسية، تكمن مشكلة القاهرة أنه رغم توفرها على وسائل مواصلات عامة كمترو الأنفاق الذي يركبه 3.5 مليون إنسان في اليوم الواحد، و الحافلات إلا أن السيارات هي الوسيلة الأكثر استخداما، إن الخسائر الاقتصادية التي يتسبب فيها الازدحام المروري في القاهرة فادحة جدا بالمقارنة مع اقتصاد البلاد ككل،  ف 8 مليار دولار سنويا تمثل% 4 من النتاج المحلي الإجمالي لمصر، فيما لا تمثل 10 مليار دولار التي هي خسائر نيويورك سوى% 0.07 من ناتج المحلي للولايات المتحدة، و بالنسبة لجاكرتا لا تشكل سوى% 0.6 من ناتج اندونيسيا المحلي.

حلول لمشكلة الازدحام المروري

من بين أفضل الحلول لمشكلة الازدحام المروري. هو تشجيع الناس على استخدام المواصلات العامة بدل الخاصة، فلو أن عددا كبيرا من الناس قرروا استخدام الحافلات عوض السيارات. فالنتيجة الطبيعية هي أن عدد المركبات في الطريق سيقل، و بذلك لن يحدث ازدحام مروري، و هذا سيعود بالنفع على أولئك الناس أنفسهم .لأنهم سوف يتمكنون من الوصول لوجهتهم في أسرع وقت ممكن. لكن هذا الحل لا يمكن تطبيقه. إلا إذا توفرت وسائل نقل ذات جودة عالية، و تغطي مناطق كثيرة من المدينة.

من بين الحلول أيضا هو فرض رسوم على الطرق التي تعرف ضغطا كبيرا،  طبق هذا مثلا في ستوكهولم عاصمة السويد، إذ يتواجد بها الكثير من الجسور و القناطر التي تربط ضواحي المدينة بمركزها الذي تحيط به المياه و عادة ما كانت تلك الجسور لضيقها تشكل بؤر الازدحام المروري، في سنة 2006 ثم فرض رسوم بسيطة على مستعملي هذه الطرق، حوالي 1 إلى 2 يورو فتناقص عدد العربات بنسبة% 20،  و رغم كونها نسبة صغيرة إلا أنها كانت سببا في تقلص نسبة الازدحام بشكل كبير.

تحاول بعض المدن تشجيع الناس على استخدام وسائل نقل صديقة للبيئة. كالدراجات الهوائية. و كمثال على ذلك مدينة أمستردام في هولندا، فأزيد من نصف سكانها يتنقلون بالدراجات الهوائية، فهي وسيلة النقل المفضلة لدى شريحة كبيرة من المجتمع، بل و حتى المسئولين الكبار لا يستنكفون عن استخدام الدراجات، و الرابح الأكبر من كل ذلك هم سكان أمستردام. الذين يستنشقون هواء نقيا و لا يضيعون أوقاتهم في زحمة السير.

المصادر

1 نسب الازدحام المروري من موقع tomtom

اترك تعليقاً