You are currently viewing الغابة المطيرة

الغابة المطيرة

جذابة، متنوعة و غامضة، هي مأوى لنصف أنواع النباتات و الحيوانات التي تعيش على سطح الأرض كما تقدم للبشرية منافع لا حصر لها كل ذلك رغم أنها لا تشكل سوى% 7 من مساحة الأرض،  إنها الغابة المطيرة النظام البيئي الأكثر تنوعا و الأكثر تعقيدا و الأقل فهما  في الآن ذاته. 

ما الذي تعرفه عن الغابة المطيرة؟

مؤثمرات تعقد و دراسات تنجز و تقارير تكتب بشكل دوري حول الغابة المطيرة فما الذي يجعل من هذه الغابات مهمة إلى هذه الدرجة حتى تنال كل هذا الاهتمام؟ قد تعتقد للوهلة الاولى أن أمر الغابة المطيرة لا يعنيك ان كنت تعيش في دولة لا تمتلك جزءا منها و لكن المفاجأة الكبرى أنك لو نظرت الى طعامك و متاعك فستجد أنك مرتبط بالغابة المطيرة بشكل لا يصدق فهل أنت من عشاق القهوة و الشاي و الشوكولاتة؟ هل تحب الموز و الافوكادو و الاناناس و الفانيلا ؟ ثم ماذا عن التوابل و جوز الهند ؟ إن قائمة الاغدية التي نحصل عليها من هذه الغابات طويلة جدا.

الحقيقة المؤكدة إن تأثير الغابة المطيرة على حياتك اليومية كبير جدا، فأنت و بشكل غير مباشر تأكل من خيراتها حتى و ان لم يسبق لك أن زرتها و لندع الطعام جانبا يجب أن تعرف أيضا أن معظم الأثاث الفاخر يتم صنعه غالبا من خشب الماهوجني أو خشب الورد أو الساج و كلها من أجود أنواع الخشب مصدره أشجار الغابة المطيرة، الامر لا يتوقف عند هذا الحد فهل تعلم أن الكثير من الأدوية التي تملأ رفوف الصيدليات معظمها استخلص من نباتات هذه الغابات، و أن بعضها مرشح بقوة ليكون دواءا لأمراض مستعصية. فبعد كل هذا إذن هل ما زلت تعتقد أن الغابة المطيرة بعيدة عنك ؟

اين تقع الغابة المطيرة؟

إن ثلث مساحة الارض تغطيها الغابات لكن الغابة المطيرة التي يدور حولها موضوعنا لا تمثل سوى % 44 و هي تتواجد في ثلاث مناطق رئيسية من العالم: حوض الأمازون،  حوض الكونغو و جنوب شرق أسيا. ثم توجد أيضا في مناطق ثانوية أخرى كأمريكا الوسطى جنوب الهند و مدغشقر.

نصف الغابة المطيرة المتواجدة في العالم تمتلكه ثلاث دول هي اندونيسيا و الكونغو الديمقراطية و البرازيل.

مناخ الغابة المطيرة

يسود الغابة المطيرة مناخ استوائي و هو مناخ ينتشر على طول خط الاستواء ، من خصائصه أن حرارته تبقى محصورة بين 25 و 30 درجة طوال السنة بمعنى أنه لا وجود لفصل بارد على الإطلاق فالفارق بين أعلى حرارة في السنة و أبردها لا يتعدى 4 درجات و رغم أن حرارة الليل قد تنخفض انخفاضا نسبيا إلا أنها تبقى مرتفعة بالنسبة لسكان المناطق المعتدلة، كما تتلقى هذه الغابة وابلا من المطر على مدار السنة يفوق في المتوسط 2000 مليمتر بل و يتجاوز أحيانا 6000 مليمتر و للمقارنة فإن التساقطات السنوية لمدينة باريس لا تتعدى 600 مليمتر .

 إن الفصول في الغابة المطيرة شبه منعدمة فلا شتاء و لا صيف و لا ربيع و لا خريف و الناس هناك إذا ذكروا الفصول فإنهم يقصدون بذلك فصلين تحددهما كمية الأمطار: فصل جاف قصير لا ينقطع فيه المطر و إنما يقل نسبيا عن المعتاد يقابله فصل مطير يمتد معظم أشهر السنة.      

يظهر إذن أن الحرارة في الغابة المطيرة ليست مرتفعة جدا فهي من النادر أن تصل مثلا إلى درجات حرارة الصحاري  مثلا حيث تسجل أعلى درجات الحرارة في العالم ، إلا أن الحقيقة المؤكدة أن الإنسان يشعر بحرارة مرتفعة في الغابة المطيرة أكثر مما في الصحراء بحيث قد تعتقد أن الحرارة قد تجاوزت 40 درجة فيما هي في الواقع لم تتعدى 30 فما السبب في هذا الإحساس الخاطئ؟

 يرجع ذلك الى ارتفاع نسبة الرطوبة، اذ أنها نادرا ما تنزل عن % 80.   

 لمعرفة كيف تؤثر الرطوبة في احساسك بالحرارة اقرا المقال التالي لماذا نشعر بحرارة مفرطة عند ارتفاع الرطوبة ؟

تنوع بيولوجي مذهل

إذا كنت تنتمي لبلد ذو مناخ معتدل فسوف تجد أن الغابات ليست بذات تنوع كبير، فإذا تجولت مثلا في غابات جبال الأطلس المتوسط في المغرب فانواع الاشجار التي ستصادفها معدودة كالأرز و البلوط الأخضر كذلك الأمر لو انتقلت إلى غابات أكبر حجما كغابات الطايغا في روسيا فرغم مساحتها الشاسعة جدا إلا أن أنواع الأشجار التي تشكلها معدودة على رؤوس الأصابع، لكن الأمر مختلف تماما في الغابة المطيرة ، إذ يصعب عليك التصديق أنه في مساحة ملعب كرة القدم منها قد يوجد 400 نوع من النباتات بل تزداد الدهشة و الحيرة إذا علمت أن عدد أنواع النمل الذي يعيش في شجرة واحدة بالأمازون قد يفوق أحيانا أنواع النمل التي تعيش في الجزر البريطانية كاملة، في الواقع لا توجد بيئة تنافس الغابة المطيرة في تنوعها البيولوجي لأن نصف أنواع نباتات و حيوانات الأرض تعيش فيها. إنها بحق أرض تنبض بالحياة

 و الفضل في ذلك يعود للمناخ الملائم، فالغابة المطيرة لا تعرف فصلا باردا أو جافا يعيق نمو النباتات ، فلو أخدنا الظروف المناخية السائدة مثلا في الغابة المعتدلة فسنجد أنها تساعد على ازدهار نباتات معينة فقط و هي تلك التي في مقدورها التأقلم مع الفترات الحرجة كفترات الشتاء التي تشتد فيها  البرودة و التي تدوم لأشهر عديدة أو لفترات الحرارة و الجفاف أما في الغابة المطيرة فالحرارة و الامطار الدائمتين طوال السنة تخلقان ظروفا مثالية لازدهار النباتات.  

 وفرة النباتات بمختلق أنواعها تعني أيضا وفرة في الغذاء بالنسبة للحيوانات، فأمامها خيارات كثيرة ليس كما هو الشأن مع تلك التي تعيش في المناطق المعتدلة أو الجافة. ففي الغابة المطيرة تجد الحيوانات ما يكفيها من الغذاء طوال السنة.    

 عامل أخر يجب أن نأخذه في الحسبان أيضا هو حداثة الاستغلال البشري  فالبشر لم يشرعوا في استغلال الغابة المطيرة إلا حديثا نسبيا بخلاف الغابات المعتدلة التي تشير الأدوات البشرية التي عثرت فيها على أنها قد استغلت منذ القدم،  و أن الناس منذ الآلاف السنين قد قاموا هناك بصيد حيواناتها حتى تسببوا في انقراض بعضها كما حولوا مساحات كبيرة منها إلى استخدامات أخرى كالزراعة و السكن. 

 سر وجود أنواع كثيرة من الأشجار

ما السر في وجود عدد كبير من أنواع النباتات في مساحة صغيرة ؟ إن هذه بلا شك ميزة تنفرد بها الغابة المطيرة دون غيرها من بيئات الأرض، إذ ليس هناك بيئة أخرى  تتخذ فيها الغابة شكل فسيفساء من الأنواع كما هو الحال مع الغابة المطيرة  تكمن الإجابة في كيفية انتثار البذور في الغابة المطيرة،  لقد لاحظ العلماء أن أزيد من 80% من ثمار أشجار الغابة المطيرة يكسوها لب، و هي مصممة على هذا النحو لتجذب عددا كبيرا من الحيوانات إليها و سواء كانت خفافيش أو نوعا من أنواع القردة أو قوارض أو حتى طيورا فإن الغذاء لا تقدمه الأشجار مجانا، فعند تناول الحيوانات لتلك الثمار و إن كانت بذور هذه الأخيرة غير قابلة للهضم فستخرج مع فضلاتها لتعطي إمكانية نمو شجرة جديدة قد تكون بعيدة عن الشجرة الأم بكيلومترات عدة، و بذلك تصير رقعة صغيرة من الغابة مزينة بفسيفساء من الأشجار لا يمت بعضها لبعض بصلة،  هنا يظهر لنا أيضا جانبا من تلك العلاقة الوطيدة التي تجمع بين النباتات و الحيوانات فقد يكون انقراض حيوان معين سببا في انقراض نوع بكامله من الأشجار كان يعول على ذلك الحيوان في نثر بذوره و بالتالي استمرار نوعه.    

الغابة المطيرة في خطر

 عندما ترى الغابة المطيرة فستبدو لك عظيمة و هائلة بحيث أنه قد لا يخطر على بالك أن تمت خطر ما قد يهددها و لكن الحقيقة ليست كذلك، فهي هشة و سريعة الزوال أكثر مما تتصور فإذا ما تم قطع اشجارها فبسرعة ستتحول من غابة مزدهرة إلى مروج و قد تحتاج لسنين طويلة لتعود إلى حالتها الأصلية و قد لا تعود. و هذا هو أكبر تحدي تواجهه هذه الغابات اليوم فمن المؤكد أنه خلال قراءتك لهذه الأسطر فإن مساحات مهمة منها قد قطعت و ضاعت معها الكثير من الحيوانات و النباتات التي كان من الممكن أن تقدم فوائد للإنسان .     

 لماذا يدمر الإنسان الغابة المطيرة ؟ ما الذي يدفعه إلى قطع اليد التي تطعمه ؟  ببساطة إنه قصر النظر، إن ذلك أشبه ما يكون بقصة الرجل الذي كان يملك إوزة تعطيه بيضة ذهبية كل يوم ففكر بعد أن أعماه الطمع في الحصول على كل البيض دفعة واحدة بدلا من أن ينتظر يوما كاملا لقاء الحصول على بيضة واحدة فقتل الإوزة و نفد مصدر ثروته، فالكثير من البلدان الغابة المطيرة تسعى لتحقيق الثروة باستنزاف الغابة جملة واحدة بدلا من أن تحصل على جزء من الثروة بشكل مستدام، و الحقيقة أن قطع الغابة يبدو ايجابيا من الناحية الاقتصادية في البداية فقط فهو يعني تحقيق أرباح من بيع الخشب ، توفير وظائف جديدة و بالتالي التقليل من البطالة، رواج بالنسبة للشركات التي تبيع معدات القطع، ازدهار صناعة الأثاث و الورق و غير ذلك ما يظهر تدمير الغابة كمكسب، بيد أن هذا الانتعاش ما هو إلا جزء من القصة، فحينما تزال هذه الغابات و تترك التربة فريسة سهلة لعوامل التعرية و تصبح عديمة الجدوى من الناحية الفلاحية، و عندما سيترتب عن ذلك القضاء على التنوع البيولوجي الذي هو بمثابة مستودع للأغذية و المواد الصيدلانية، حيث إن ربع الأدوية يأتي من نباتات برية تعيش بهذه الغابات، و عندما سيفضي ذلك أيضا إلى القضاء على مصدر كبير للأوكسجين و بالوعة لثاني اوكسيد الكربون، حينئذ سندرك لكن بعد فوات الأوان أن اكبر ثروة هي غابة سليمة قدر الإمكان، فنتائج تدمير الغابة المطيرة لن تظهر للتو و كما قال وليام شكسبير يجب على المرء أن ينتظر حلول المساء ليعرف كم كان نهاره عظيما.                                          

                                                                                                                                                                                             

                                               

                                                                                                                                                    

اترك تعليقاً