You are currently viewing المينيماليزم فن البساطة

المينيماليزم فن البساطة

هل سمعت يوما بالمينيماليزم أو التقليل؟ إنها فلسفة تدعوا إلى اتخاد البساطة كنمط للحياة. باعتبار أن السعادة تكمن في البساطة و ليس في التعقيد. شعارها المأثور هو: قلل تعش أفضل في جميع مناحي الحياة. في هذه المقالة سنتعرف على بعض مبادئ المينيماليزم أو التقليل و كيف يعيش أتباعه و ماهي مزاياه.

ما هي أهم مبادئ المينيماليزم؟

الشخص الذي يتخذ من المينيماليزم كنمط عيش يكتفي فقط في حياته بما هو ضروري و أساسي. مبدأ المينيماليزم لا يدعو إلى التقشف و الحرمان. بل فقط التخلي عن مظاهر الترف الزائد الذي لا يجلب لك إلا تشويش الذهن و الحرمان من الراحة النفسية. فالشخص التقليلي قد يدفع مبلغا باهظا على شيء يراه ضروريا. لكنه يمتنع عن دفع و لو مبلغ يسير على شيء ليس في حاجة إليه. فلسفة المينيماليزم إذن تدعو إلى عيش حياة بسيطة. بلا تكلف. و تدعو ايضا إلى التقليل من الاستهلاك و الاكتفاء بما هو ضروري في كل مناحي الحياة. سواء في الممتلكات أو في العلاقات الاجتماعية و غيرها.

متى ظهرت حركة المينيماليزم و لماذا؟

حركة المينيماليزم انطلقت في البداية مع فن الرسم في ستينات القرن العشرين بالولايات المتحدة. حيث ظهرت لوحات الفنانين التقليلين و هي لا تحتوي إلا على القليل من العناصر و الألوان. حتى أن الناس انتقدوهم بسبب ذلك و وصفوهم بأنهم محدودي الإبداع. ثم ما لبتت هذه الحركة أن امتدت إلى الهندسة و الديكور .ثم أصبحت نمط حياة يقابل النمط المادي الاستهلاكي الذي يسود العالم.

مبدأ المينيماليزم يدعو إلى التخلص من كل الأشياء الغير ضرورية، و التي تعقد الحياة. فبالنسبة لأثاث المنزل يجب الاكتفاء بما هو ضروري فقط. و الإبقاء على اكبر قدر من الفراغ. بدلا من حشو المنزل بالكثير من قطع الأثاث التي لا تتسبب إلا في تضييق المكان، و الحد من حرية ساكنيه، ثم إضاعة الوقت و الجهد في العناية بها، و لو أمكنك زيارة منزل ستيف جوبز مخترع شركة ابل و احد أتباع مبدأ التقليل لبدا لك شبه فارغ، و لقد طبق هذا الرجل فلسفة التقليل حتى في اختراعاته، فهواتف ابل و حواسيبها بسيطة جدا في عملها و خالية من التعقيد.

فلسفة التقليل تطبق ايضا في الملابس، إذ ينبغي فقط الاحتفاظ بالعناصر التي تحبها أو تستخدمها كثيرا و ايضا في الإنفاق، بحيث تتوقف على الإنفاق في أشياء لست في حاجة إليها، و لا تقدم لك فائدة، يمكن تطبيقها ايضا في علاقاتك الاجتماعية فالأفضل أن تكتفي ببضع أصدقاء أوفياء بدل من الكثرة التي ستؤذي بك الى تضييع الكثير من الوقت.

فلسفة التقليل ظهرت كرد فعل تجاه النمط الاستهلاكي الذي قاد الإنسان إلى إدمان الشراء،  فامتلأت منازلنا بأغراض لا داعي لها، و ضاع تركيزنا وراء الجري خلف أخر صيحات الموضة، و أفخم الديكورات، أنفقنا المال و الجهد في سبيل تملكها و الاعتناء بها حتى أصبحنا عبيدا للمادة و أغفلنا الجانب الروحي و الفكري، لقد ظهرت فلسفة التقليل بعدما اتضح أن شراء السيارات الفارهة و الملابس الباهظة و غيرها لا يحقق السعادة المتوقعة.

جوهر المينيماليزم: كثرة الأشياء لا تجلب لنا السعادة

يقال إن السعادة ليست في أن تملك ما تريد بل في أن تحب ما تملك. فلطالما اعتقدنا انه كلما امتلكنا الكثير كلما كنا أكثر سعادة لكن ذلك ليس صحيحا، يضرب كل من المدونان جوشوا ميلبورن و ريان ميكوديموس مثالا على ذلك، فالصديقان كانا يمتلكان كل ما يمكن أن يخطر على البال، بيوت فخمة و سيارات فارهة لكنهما أدركا في نهاية الأمر أنهما ليسا سعداء، و أن السعادة التي كانت تمنحها تلك الممتلكات هي لحظية فقط سرعان ما تتلاشى فقررا أن يتبنيان مبدأ التقليل.

لست محتاجا لتملك ما كان يملكه هذان الرجلان لتتوصل إلى هذه الحكمة، فكر في أول مرة اشتريت فيه هاتفك النقال، من المؤكد أن السعادة قد غمرتك في الأيام الأولى، لكن كم دامت تلك السعادة؟ الحقيقة المؤكدة أنه كلما مر الزمن كلما تراجعت السعادة التي يقدمها شيء معين و ذلك بسبب التعود.

هكذا إذن ينفق الناس أموالا باهظة لشراء أشياء مادية يفترض أنها ستجعلهم سعداء، ليكتشفوا بعد مدة قصيرة أن الأشياء تفقد بريقها بمجرد تملكها.

حب التملك لاتبات قيمتنا

الإنسان بطبعه يفعل كل ما في وسعه لينال إعجاب الآخرين و يكسب تقديرهم، حتى يستشعر قيمته، لذلك يتملكنا شعور بالبهجة و السرور كلما مدح شخص شيء أنجزناه، حتى و إن كان مجرد مشاركة منشور في شبكات التواصل الاجتماعي.

قد يكون تقدير الناس لأخلاقك و مبادئك من الأشياء التي تشعرك بقيمتك، لكنها تحتاج لوقت طويل حتى يكتشفها الآخرون، بخلاف المظاهر فهي أسرع وسيلة لإثبات قيمتك، لذلك يعمد الكثير منا إلى امتلاك الكثير من الأشياء لينالوا إعجاب الناس و تزداد قيمتهم و هكذا يصبح ما نملكه يحدد من نحن.

تتكدس ممتلكاتنا، و في نفس الوقت يتطلب منا الأمر بذل الكثير من الجهد و الوقت للعناية بها، و إظهارها على أحسن حال، أليست هي من يحدد قيمتنا! قد تجد البعض يمتلك خزانة ممتلئة عن أخرها بأصناف الكتب لا لشيء سوى ليبعث للناس رسالة مفادها أنني رجل مثقف، رغم أنه لا يعرف من تلك الكتب الا عناوينها.

إذن فالكثير منا يقتني المزيد و المزيد من الأغراض لا لأنها ضرورية، بل ليظهر قيمته للآخرين.

اليك بعض الامور المهمة التي يجب ان تعرفها لتبدا خطوتك الاولى نحو حياة البساطة

إرضاء الآخرين غاية لا تدرك ارض نفسك

أول خطوة يجب القيام بها هي ألا تضع رضا الآخرين في الأولوية، فنحن نقتني أشياء فقط لأننا رأيناها عند الآخرين أو لان امتلاكها يضعنا في مكانة اجتماعية مرموقة، رغم علمنا بأننا لسنا في حاجة إليها هكذا نؤثث منازلنا، نلبس، نعيش حياتنا كما يريدها الآخرون، حتى و إن كان ذلك لا يجلب لنا الراحة، استحضر هنا مقولة لشكسبير

كن نفسك أنت و ليس ما يريدك العالم أن تكون

يقول فوميو ساساكي مؤلف كتاب وداعا للأشياء. انه عندما كان يتبع النمط الاستهلاكي كمعظم الناس. كان يعيش في حالة خوف مستمر من المستقبل. و يساوره القلق حيال مكانته الاجتماعية و كيف يراه الآخرون، مما جعله يتخبط في دوامة من الأفكار السلبية، يضرب الكاتب في نفس الكتاب مثالا حيا عن كيف يمكن للأشياء الزائدة التي لا نحتاجها حقيقة أن تمارس علينا ضغطا نفسيا، فهو قد اعتاد أن يكون له أكثر من بطاقة حساب بنكي ليظهر للناس مدى ثروته، و رغم أن هذه البطاقات لا تحتاج لمساحة كبيرة لكنها كانت تشغل جزءا كبيرا من ذاكرته، فيتساءل على الدوام كم تبقى في هذه البطاقة من الرصيد و كم أنضاف في الأخرى، كما كان يتفقدها باستمرار و يحدث نفسه قائلا: ماذا لو سقطت إحداها، ماذا لو عثر عليها شخص فاستولى على أموالي …

هكذا ملأ الكاتب ذاكرته بأشياء ليس في حاجة إليها و  صنع لنفسه مصدرا للقلق و التوتر، و كلها أمور تخلص منها بسهولة عندما قرر استخدام بطاقة واحدة، و هكذا حرر ذاكرته من الحمل الزائد و أصبحت تعمل بشكل أكثر كفاءة.هذا مجرد نموذج بسيط يظهر كيف يمكن للتخلص من الأشياء الزائدة أن يحررنا من الضغوط النفسية. يمنحنا المزيد من الصحة و الأمان و التركيز.

متى يمكن أن نصف شخصا انه من أتباع المينيماليزم؟

بعبارة أخرى إلى أي حد يجب التقليل من ممتلكاتك المادية حتى يمكن اعتبراك من أنصار المينيماليزم ؟هل ينبغي الإبقاء مثلا على دولاب واحد. و الاكتفاء بطاولة واحدة. تكون للطعام و للقراءة في الآن ذاته، كم لباسا يجب الإبقاء عليه؟ في الحقيقة لا يوجد حد معين من الممتلكات إذا ما بلغه الشخص جاز اعتباره من التقليلين. لأنه ببساطة. مبدأ المينيماليزم أو التقليل هو الإبقاء على الأشياء الضرورية فقط. و هذه الأخيرة تختلف من شخص لأخر.

ماهي فوائد المينيماليزم؟

ذكر الكاتب ساساكي مؤلف كتاب وداعا للأشياء. بعض النقاط الايجابية التي حصل عليها بعدما قرر التخلص من الأغراض الزائدة. و منذ أن قرر العيش وفق مبدأ المينيماليزم.

– يصبح لديك الكثير من الوقت بعدما كنت تضيعه في تنظيف و ترتيب الأغراض الزائدة في منزلك. و يمكنك ان ذاك استغلاله فيما هو روحي و فكري.

– لن تعود عبدا لرغباتك، لن يشغل بالك كيف يقيمك الآخرون و ستحظى بحرية أكبر.

– بعدما ستتخلص من الفوضى سيصبح تركيزك أكبر و ذاكرك أكثر فعالية.

– ستوفر الكثير من المال و بإمكانك استخدامه لتحقيق أهداف أكثر قيمة. أعمال خيرية مثلا بدل إنفاقه في أشياء تجعلك سعيدا لفترة قصيرة فقط. هناك مقولة تقول في البحث عن السعادة يسلك الكثيرون المسلك الخطا، فهم يظنون أنها تشمل التملك و الاقتناء و الحصول على خدمة الاخرين لكن السعادة توجد حقا في العطاء و خدمة الاخرين.

– ستصبح قادرا على الاستمتاع باللحظة الحالية

– ستتوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين. فالكثير منا يرى الآخرين و هم يملكون أشياء كثيرة فيتمنى أن يمتلكها هو أيضا. لكن الشخص التقليلي لن يسقط في هذا الفخ لأنه يعلم أن امتلاكه لتلك الأشياء لن يسعده إلا لمدة قصيرة لذلك هو يحاول أن يكون سعيدا بما يملك.

 هل التخلص من الأغراض الزائدة شيء سهل؟

إن التخلص من الحمل الزائد هو في حد ذاته ليس صعبا، و لا يتطلب وقتا طويلا، فيمكن للمرء مثلا .أن يخصص أسبوعا واحدا للتخلص من الأثاث الذي لا يحتاجه. أسبوعا على أكثر تقدير للإبقاء على الكتب المهمة فقط. أسبوعا أخر لإعادة النظر في دولاب الملابس، لكن الصعوبة تكمن في اتخاذ القرار نفسه. لأننا كما ذكرنا. كثيرا ما نربط ممتلكاتنا بقيمتنا الاجتماعية.

يمكننا بإتباع بعض الخطوات التخلص من أكبر قدر من الأغراض الزائدة. و العيش ببساطة، فلكل مشكلة حل، و كما يقول الفيلسوف الهولندي سبينوزا: عندما يقول الناس لشيء ما أنه مستحيل فإنهم يقررون بذلك أنهم لا يريدون القيام به

فتجميع انجازات صغيرة هو الطريق الوحيد لتحقيق انجاز كبير. لذلك ابدأ أولا بالتخلص من الأشياء التي تمتلك منها أكثر من نسخة.

– انتقل بعد ذلك للأغراض التي لم تستخدمها لمدة سنة كاملة.

– اسأل نفسك هذا السؤال: هل تمتلك هذا الشيء لأنك تحبه حقا و تحتاج إليه أم لتظهر قيمتك للآخرين؟

– إذا كانت أشياء كثيرة تربطك معها ذكريات معينة. فاترك بعضها و تخلص من الأخر ،لكن قبل أن تفعل ذلك لا بأس أن تأخذ صورا لها.

– كف عن التحول لشخص مبدع عندما تريد التخلص من الأغراض الزائدة، فالكثير منا و في اللحظة التي يقرر فيها التخلص من شيء لا يحتاجه تبدأ الأفكار الملهمة تنهال عليه، فيقول مثلا  مهلا توقف ما الذي كنت سأفعله هذا الصندوق الذي كنت على وشك رميه، لماذا لا استخدمه كسلة اجمع فيها أقلام المكتب، هذه الأفكار البديلة تظهر لأنك مازالت مرتبطا بالأشياء، لذلك مهما بدت لك تلك الفكرة براقة فأفضل شيء تفعله هو أن تتجاهلها.

– قد لا تريد التخلص من شيء معين لأنك اقتنيته بثمن باهظ، و لكن تذكر أن الأشياء تفقد قيمتها المالية مع مرور الوقت، فيمكن لأريكة  أن تبيعها بنصف ثمنها بعد مدة من الاستخدام.

– احد أفضل الأسئلة لتعرف هل عليك أن تتخلص من الشيء آم لا هو أن تسأل نفسك، هل إذا فقدت هذا الشيء سأعيد شراؤه مجددا بثمنه الأصلي أم لا؟ إن كان جوابك بنعم فأبق على ذلك الشيء، لأنك تحبه و ضروري بالنسبة لك.

ديننا الإسلامي و مبدأ التقليل

إن الاستغناء عن الأشياء التي ليست ضرورية هو مما يدعو إليه الإسلام، فأن تصرف ولو مبلغا يسيرا في شيء أنت لست في حاجة إليه يدخل في ما يعرف بالإسراف و التبذير، و لو تأملت حياة الرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة و التابعين لرأيت كيف أنهم كانوا يكتفون بالقليل في معاشهم، فيما يوجهون كل تركيزهم على الجانب الروحي، و بذلك حققوا السعادة الحقيقية، فخد على سبيل المثال وصية الرسول عليه السلام في الأكل و ذلك بأن يترك الإنسان تلت معدته فارغا، و في هذا دعوة إلى التقليل من الطعام لان كثيره سيعود بالضرر

ثم تأمل في حديث الرسول صلى الله عليه و سلم

من أصبح منكم أمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا

فقط لو امتلكت هذه الأشياء فكأنك تملك كل الدنيا، لأن هذه هي العناصر الضرورية للعيش، دون حاجة لأن تحوز على الكثير من الأشياء المادية الأخرى.

فالاكتفاء بالقليل يعلم الإنسان التواضع، و يمكنه من استثمار أمواله – التي كان يصرفها سابقا لإرضاء رغباته – في مساعدة المحتاجين. فلا إسراف في أعمال الخير.

اترك تعليقاً