You are currently viewing لا تغضب. تعلم كيف تتحكم في غضبك

لا تغضب. تعلم كيف تتحكم في غضبك

يقول مثل صيني: إذا أنت تمالكت نفسك ساعة الغضب فقد وفرت على نفسك أياما من الحزن. الغضب كلمة تنفر منها النفوس فهو قوة مدمرة تجعلنا لا نتحكم في أقوالنا و أفعالنا، فالغضب يطفئ سراج العقل حتى أنه كان وراء معظم المآسي التي تجرعتها البشرية، فكم من حروب اشتعلت و كم من أسر تمزقت و كم من سعادة سلبت و لم يكن سببها سوى لحظة غضب، و ليس للغضب فائدة ترجى سواء على الغاضب أو المغضوب عليه، فكل منهما ينال نصيبه من الاذى، و كما قيل: أن تمسك بالغضب أشبه بأن تحمل جمرا ساخنا لإلقائه على أحدهم لكنك ستحرق يدك أولا. لا تغضب إنه جواب الرسول عليه الصلاة و السلام لرجل أتاه يطلب وصية فيها كل أسباب الخير،  إذا كنت ترغب في أن تتحكم في غضبك لما يسببه لك من أذى لنفسك و للآخرين فأنت في المكان الصحيح، هذه المقالة سوف تعلمك كيف تجعل غضبك خاضعا لسيطرتك، كيف تمنعه من أن يقودك إلى اشياء لا تحمد عقباها.

ما هو الغضب و لماذا ينشأ؟

الغضب هو شعور فطري يتشاركه الناس جميعا مثله مثل الخوف أو الحزن أو الفرح، و يتفاوتون فقط في حدته و هذا الشعور المركب فينا يؤدي دورا حيويا و هو حماية النفس من تهديدات محتملة، فهو جزء من خطة القتال أو الهرب التي يعتمدها الجسم لدرء المخاطر عنه، عندما يقوم أحد السائقين مثلا بحركة متهورة فإن سلوكه يتضمن تهديدا للآخرين لذلك قد تكون ردة فعل البعض هو أن ينفجروا غضبا في وجهه و قد يتطور الأمر إلى حالة عنف، عند الغضب يفرز هرمون الأدرينالين فينبض القلب بشكل أسرع، تزداد وتيرة التنفس، تتوتر العضلات و يزداد مقدار الطاقة  لتصبح مستعدا لأي مواجهة.

عادة ما نغضب عندما نتعرض للتهديد أو العنف، عندما نشعر بأننا نعامل بطريقة غير عادلة، عندما تنتهك حرماتنا، عند الشعور بأن حياتنا أصبحت خارج نطاق السيطرة و أيضا عندما نعجز عن تحقيق احتياجاتنا و بلوغ اهدافنا.

إن الغضب شيء غريزي و من الضروري وجوده في حياة الانسان، و لو افترضنا انسانا لا يغضب نهائيا فسيكون متبلد الاحساس إذن فلماذا يتوجب علينا كبحه؟

يصبح الغضب آفة يجب معالجتها عندما يتكرر بشكل دائم و يكون سببه أمورا هينة لا تستوجب الغضب من الأساس، فإذا كنت تستشيط غضا لمجرد أن صديقك لم يرد على مكالمتك الهاتفية فورا أو عندما تعلق في الزحام و غير ذلك من ملابسات الحياة اليومية فهذا يدل على أن الغضب أصبح متحكما فيك، و أنه قد آن الاوان لتتعلم كيف تتحكم فيه.

كيف يؤثر الغضب في حياتنا الاجتماعية و المهنية؟

الغضب هو مدمر العلاقات الاجتماعية، و الناس الذي يفسد الغضب علاقتنا بهم هم أقربهم إلينا، فكم من بيوت زوجية دمرت و كم من أرحام قطعت و كم من صداقات مزقت و لم يكن السبب سوى لحظات غضب.

كما أن من شأن الغضب أن يؤثر في الحياة العملية، فالناس السريعي الغضب هم أكثر عرضة للطرد و الاقالة لأن العمل يتطلب قدرا من ضبط النفس و هذا ما يفتقده امثال هؤلاء.

علاقة الغضب بالأمراض

أثبتت دراسات كثيرة وجود علاقة وطيدة بين الغضب و أمراض القلب و الأوعية الدموية التي تعتبر أكثر الأمراض فتكا بالبشر في العالم، فهي وحدها مسئولة عن 16 من الوفيات في العالم كل سنة.

كل مرة تغضب فيها فإن تغيرات كثيرة تحدث في جسمك لأن الهدف من الغضب هو جعلك مهيئا لمواجهة أي تهديد محتمل، فيخفق قلبك بشكل اسرع، تزداد وتيرة التنفس و تشتد الأعصاب و يرتفع ضغط الدم و ذلك لكي يصل الدم إلى كل أعضاء الجسم فتعمل بكفاءة أكبر، و لأن هذه التغيرات تتكرر هي نفسها عند الغضب فلا بد أن يعاني الجسم من تبعات ذلك.

إن ارتفاع ضغط الدم المتكرر في الأوعية الدموية سوف يؤدي إلى تأكلها و تكون خدوش داخلها فتأتي الدهون لتترسب و تتراكم في تلك الخدوش، و مع الوقت تنسد الأوعية الدموية لتفتح الباب على مصراعيه لأمراض القلب.

لمعرفة مخاطر ارتفاع ضغط الدم إقرأ مقال ضغط الدم القاتل الصامت.

إذا كانت مجرد أشياء تافهة تثير غضبك فتذكر أن التفاعلات التي تحدث في جسدك ليست تافهة، فكر في كل مرة تغضب فيها كم تضر بصحتك ضررا بالغا لا يعوض، و كيف تقدم نفسك لقمة سائغة للأمراض المميتة.

و قد صدق من قال: إنك تخطو نحو الشيخوخة يوما مقابل كل دقيقة من الغضب.

لقد أجريت دراسات كثيرة في سبيل ايجاد علاقة بين أمراض القلب و الغضب، ففي إحداها تطوع مجموعة من الاشخاص الاصحاء و طلب منهم الاجابة عن بعض الاختبارات من أجل تحديد درجة غضبهم، ثم بعد 20 سنة تم الاطلاع على حالتهم الصحية فخرج العلماء بنفس النتيجة في معظم الدراسات و هي إن الذين أصبحوا من مرضى القلب و الشرايين هم الذين سجلوا أعلى درجات الغضب عند بدء الاختبار.

إن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن نتائج الغضب إن لم تبدو اليوم فستظهر غدا، و أنه حتى إن كنت تعتقد أنك قد تحقق بعض المكاسب بالغضب فإن التكلفة التي تدفعها باهظة.

الغضب أحد اسباب العنف

العنف اليوم منتشر في كل مكان، ففي المنزل الذي من المفترض أن يكون الملاذ الأمن يقدر أن مليون و نصف مليون امرأة تتعرض للعنف الزوجي في الولايات المتحدة وحدها خلال سنة، كما لا تخلو المدارس و أماكن العمل من العنف حتى إن أخباره لتملأ الصفحات الأولى لمختلف جرائد العالم.

الغضب أحد أكبر أسباب العنف بل لا يمكن تصور عنف لم يسبقه غضب، ذلك أنه في موجة الغضب الخارجة عن السيطرة قد يتسبب المرء في إلحاق الأذى بنفسه أو بالآخرين و أحد أكثر الدوافع التي تجعل الناس يبحثون عن طريقة لكبح جماح غضبهم هو كونه يقودهم لارتكاب أعمال عنف يندمون عليها فيما بعد.

اعتقادات خاطئة عن الغضب

الغضب وسيلة لنيل المطالب

يزعم البعض أن الغضب شيء لابد منه للتعبير عن عدم رضانا حيال مواقف معينة، و هم بذلك يجعلونه الخيار الوحيد المتاح و الحقيقة أنه عندما يسكت عنا الغضب ثم نشرع في تحليل الموقف الذي أثار حفيظتنا بهدوء و روية فسوف نتفاجيء من كمية الخيارات التي كانت متاحة أمامنا، و لا يسعنا عندئذ إلا أن نأسف لأننا اخترنا أسوءها و أرداها ألا و هو الغضب.

إن صفحات التاريخ حبلى بأشخاص نالوا مطالب عظيمة ليس بالغضب أو العنف بل بالهدوء و الحكمة لان الغضب لا ينتج إلا الغضب يقول ودو ولسن:

إذا جئتني معلنا المبارزة أعدك أن قبضتي ستكون أقوى من قبضتك، أما إذا جئتني و قلت دعنا نتبادل الرأي فحتى إذا اختلفنا فلن نلبث أن نجد أننا نتفق كثيرا.

إن الغضب ليس هو الحل الامثل لنيل المطالب أو لتغيير وضع قائم بل ليس من شأنه إلى أن يجعل الأمور تسير من سيء إلى أسوأ.

الغضب يزيل الطاقة السلبية

البعض يقول إن الغضب ضروري و حيوي لأنه ينفس عن الطاقة السلبية المتراكمة في نفوسنا، فإذا أنت لم تنفس عن غضبك و كتمته فسينفجر في شكل أمراض نفسية و عضوية لأن الضغط يولد الانفجار، و الذين يتبنون هذا الاعتقاد هم يستمدونه أدركوا ذلك أم لم يدركوه من رائد التحليل النفسي سيغموند فرويد الذي يدعو الى عدم كبت المشاعر لأن الكبت في نظره هو سبب الكثير من الأمراض النفسية و العضوية.

ترى بعد أن أشرنا الى الكثير من المخاطر الصحية للغضب هل ستؤمن بهذه الفكرة ؟ كيف يمكن للغضب أن يقدم فائدة و قد تبت أنه هو المتسبب في أمراض نفسية و عضوية فتاكة من الاكتئاب و القلق و أمراض القلب و الشرايين و اضطرابات الغدة الدرقية و السكتات الدماغية و القائمة طويلة.

ان الغضب لن يمنحك الراحة النفسية المأمولة بل لن يقود إلا للمزيد من الغضب و العنف فالغضب يغذي نفسه.

كيف نسيطر على غضبنا ؟

تبني افكار ايجابية بديلة

قبل أن نستعرض بعض طرق السيطرة على الغضب ينبغي أولا أن نعرف كيف ينشأ أساسا، و مثلت الإدراك يفسر لنا ذلك.

الفكرة التي تشكلها عن شيء ما تولد شعورا معينا و على أساسه يتولد فعل معين و بما أن الغضب هو عبارة عن شعور فإنه أيضا وليد فكرة، فأنت عندما تغضب فلابد من وجود افكار جعلتك تغضب.

سيتضح الامر أكثر في المثال التالي:

تأخر صديقك عن الموعد المحدد الفكرة التي ستدور في ذهنك أنه لا يهتم بصداقتكما، إنه شخص غير مسئول و لا مبالي، هذه الفكرة ستقودك إلى الشعور بالغضب اتجاهه ثم سيترتب عليها سلوك معين كعتابه أو مخاصمته.

نفهم من هذا أنه ليس الناس أو الأحداث بحد ذاتها هي التي تثير غضبنا بل الفكرة التي نكونها اتجاهها، فقد كان من الممكن بافتراض فكرة بديلة في المثال السابق أن تغير شعورك و تتفادى الغضب، مثلا كأن تقول في نفسك:  شيء ما جعله يتأخر عن موعده لابأس هذا يحصل لي كثيرا فلا داعي للعتاب. هذه الفكرة سوف لن تولد شعورا بالغضب.

إذن يكمن الحل في إيجاد افكار بديلة تشعرنا بالهدوء و السكينة بدلا من تبني افكار تثير غضبنا، إن الكثير من حالات الغضب ما هي إلا نتاج لسوء الفهم و كان بالإمكان تفاديها لو نظرنا للأمور بشكل مغاير.

التحلي بالصمت

خلال موجة الغضب العارمة قد يتفوه الانسان بكلام جارح خارج عن إرادته فيؤدي الاخرين، و قد يتبع القول الفعل فأفضل ما يمكن القيام به عندئذ هو الصمت، فإنك إن لم تربح من الصمت شيئا فلن تخسر شيئا.

قال أبو العتاهية:

و لئن ندمت على سكوتك مرة

فقد ندمت على الكلام مرارا

و قال النابغة الشيباني:

فذو صمت لا يجني عليه لسانه

و ذو الحلم مهدي و ذو الجهل أخرق

غير هيئتك

إذا كنت واقفا فاجلس و إن كنت جالسا فاضطجع و هذه من وصايا الرسول عليه السلام

كافئ نفسك

في كل مرة استطعت فيها التحكم في غضبك فأنت حقا تكون قد حققت انجازا عظيما، لأنك حافظت على علاقتك جيدة مع الاخرين و نجوت من الاثار الصحية المترتبة عن الغضب، لذلك أنت حري بالمكافأة  فكافئ نفسك كأن تذهب الى مكان جميل أو تتناول أكلة لذيذة، هذه الطريقة سوف تدفعك لتتحكم في غضبك على الدوام لأنك ستحفز نفسك بالمكافأة المجزية.

لا تتوقع الكمال

الكثير من الناس يغضبون لأنهم يتوقعون الكمال في كل شيء، فهم يتطلعون لأن يعاملوا معاملة لائقة و محترمة من الجميع و أن لا يتعرضوا لأي موقف سيء و هذا مطلب بعيد المنال، و كما قال أحد الشعراء:

إنس أن تجد شيئا مثاليا

ثمة صدع في كل شيء

فهكذا يدخل الضوء.

لا تغضب

أتى رجل الى النبي صلى الله عليه و سلم فسأله قائلا: أوصيني، دلني على عمل فيه كل جوامع الخير، علمني شيئا و أقلل لعلي أعقله فأجابه الرسول عليه السلام: لا تغضب.

تلك كانت وصية الرسول عليه السلام لأن الغضب كما تبين رأس كل شر.

و سأل الرسول عليه السلام أصحابه: فما تعدون الصرعة فيكم. أي من الذي تعتبرونه القوي. فقالوا: الذي لا يصرعه الرجال. قال: ليس بذلك و لكنه الذي يملك نفسه عند الغضب.

لقد كان الرسول عليه السلام لا يغضب و لا يثأر لنفسه، حتى أنه كان يتعرض للأذية من قومه فلا يغضب منهم بل يقول: لقد اوذي موسى بأكثر من هذا فصبر، و خدمه أنس ابن مالك عشر سنين و طوال كل تلك المدة لم يسبق للرسول عليه السلام أن غضب منه، فلم يقل له قط لشيء فعله لم فعلت كذا و لا لشيء لم يفعله ألا فعلت كذا، بل و لو حدث أن أخطا انس في شيء كأن يكسر اناءا مثلا فلامه أهله دافع عليه النبي عليه السلام فقال: دعوه فلو قضى شيئا كان أي أن الاناء كان مقدرا عليه أن ينكسر.

و لم يكن النبي عليه السلام يغضب إلا لله تعالى حتى أنه لما بلغه أن هناك اماما يطيل بالناس صلاته فلا يصلي معه البعض غضب عليه السلام و وعظ الناس و أمر بالتخفيف.

وحده الاحمق الذي يريد أن يطفيء النار بالنار فحتى إن اغضبك أحدهم فلا تقابل الاساءة بالاساءة. اعفوا و اصفح فإن الدنيا قصيرة و أنثر السعادة بين الناس و تحلى بالافكار الايجابية فالحياة كالمرآة تحصل على أفضل النتائج حينما تبتسم لها.

المصادر

dr albert ellis. how to control your anger before it controls you. citadel press

اترك تعليقاً