لقد أصبح ينظر إلى السمنة على أنها مرض، و شكل من أشكال سوء التغذية، في الماضي كانت السمنة مذمومة فقط لأنها تشوه المظهر الخارجي للجسم لكن الطب الحديث أثبت أيضا أنها السبب الرئيسي لأمراض بالغة الخطورة، إن الذي يدعو للقلق أن أعداد المصابين بالسمنة في تزايد مستمر، و يتوقع أنه بحلول سنة 2035 سيصبح نصف عدد سكان العالم يعانون من السمنة، فلو استمر الأمر على حاله فستصبح السمنة المشكلة الصحية رقم واحد في العالم. في هذا المقال سوف نعرف ماهي السمنة و ما أسبابها و مخاطرها
ماهي السمنة؟
يمكننا أن نعرف السمنة ببساطة بكونها تراكم زائد للدهون في الجسم مما يتسبب في ازدياد الوزن عن الوزن المثالي.
أحد أكثر الطرق شهرة بين الناس لتحديد الوزن المثالي و من تم معرفة هل يعاني الشخص من السمنة هو حساب مؤشر كتلة الجسم BMI، و سبب شيوعه هو سهولة استخدامه، فهو يعتمد فقط على عنصرين الطول و والوزن و بإمكانك الولوج لموقع الكتروني يوفر خدمة حساب هذا المؤشر بالمجان، تكتب وزنك في خانة و طولك في خانة أخرى ليعطيك رقما معينا
إذا كان أقل من 18 أنت تعاني من نقص في الوزن
بين 18 الى 25 وزنك مثالي
25 الى 30 أنت تعاني من الوزن الزائد
من 30 الى 35 السمنة
أكثر من 35 السمنة المفرطة.
لكن هذا المؤشر غالبا لا يأخد بعين الاعتبار الجنس و العمر أو تركيبة الجسم هل هو مكون أساسا من دهون أم من عضلات، لو أخدنا شخصين لهما نفس الطول و الوزن لكن الأول يمارس رياضة كمال الاجسام و بالتالي فمعظم وزنه هو عضلات، و الاخر جسمه مكتنز بالدهون فسيحصل كلاهما على نفس مؤشر كتلة الجسم، و قد يصنفان معا على أنهما يعانيان من السمنة أو السمنة المفرطة، إذن قد يكون الاعتماد على هذا المؤشر وحده مضللا و لا يعطي صورة كاملة عن حالة الجسم، لذلك يوصى باللجوء أيضا لاستخدام أساليب أخرى كقياس محيط الخصر بالسنتمتر.
يعطي هذا القياس تصنيفا أدق، لأن الشخص الذي يعاني من السمنة غالبا ما يراكم كمية هائلة من الدهون في البطن.
قياس الخصر المثالي يجب أن يكون أصغر من 101 سنتمتر للرجال و 88.9 للنساء
ماهي أسباب السمنة؟
قد يعتقد الكثير من الناس أن السمنة مرض بسيط، و سببه واضح، و هو أكل الكثير من الطعام أكثر من اللازم، و لكن في الحقيقة هذا ما هو إلا سبب من بين أسباب متعددة قد تجتمع معا مما يجعل من السمنة مرضا بالغ التعقيد عكس ما هو معتقد.
النمط الغذائي
أكثر الأسباب شيوعا للسمنة هو الاعتياد على نمط غدائي يحتوي على سعرات حرارية أكثر مما يستهلكه الجسم، توجد اليوم محلات الأكلات السريعة في كل مكان، و هي تقدم وجبات غنية بالدهون و السكريات مما يعني أنها أيضا غنية بالسعرات الحرارية، فلو أخدنا الدهون مثلا فإن غرام واحد منها يحتوي على 9 سعرات حرارية، فيما غرام من السكر يحتوي على 4 سعرات حرارية، فتصور كمية السعرات الحرارية التي يدخلها الانسان لجسمه عندما يدمن على تلك الأطعمة.
إن السعرات الحرارية الزائدة يقوم الجسم بتخزينها على شكل دهون، و هكذا يوما بعد يوم، شهرا بعد شهر تتراكم الدهون ليزداد وزن الانسان فيصاب بالسمنة.
حياة قليلة النشاط
إن إدخال الكثير من السعرات الحرارية لم يكن ليسبب السمنة لولا ترافقه مع انتشار الخمول و قلة الحركة، لقد جعلت التكنولوجيا حياة الانسان أسهل مما كانت عليه في الماضي، فالسيارات، المصاعد الكهربائية، الأجهزة المنزلية، كالات التصبين، المكانس الكهربائية، أجهزة التحكم عن بعد، وفرت الكثير من الجهد و الطاقة، كما أن التلفاز و ألعاب الفيديو و الهواتف الذكية جعلت الانسان يقضي معظم وقته بلا حراك، و بالتالي لم يعد يوجد مصرف للسعرات الحرارية الزائدة.
الوراثة و دورها في السمنة
الكثير منا يلومون الشخص السمين لأنه هو الذي تسبب في هذا المرض بنفسه، فهو يتناول بشراهة طوال الوقت و يعيش حياة خاملة، لكن السمين لا يستحق هذا اللوم دوما فقد تبين أن للوراثة دور مهم في ذلك.
فإذا كان كلا الأبوين مصابان بالسمنة فإن احتمال اصابة الأبناء بالسمنة تصل ل % 80 فأكثر، أما إذا كان واحد منهما سمين فإن الاحتمال ينخفض ل % 40، هذا دليل واضح على أن السمنة قد تكون موروثة.
إن العامل الوراثي يفسر لنا أيضا كيف أن هناك اشخاص قادرون على تناول كميات كبيرة من الطعام و مع ذلك لا يزيد وزنهم حتى و إن أرادوا هم ذلك، و اخرون يزداد وزنهم بمجرد تناول كمية قليلة من الطعام. إنما كيف تتدخل الوراثة في الأمر؟
الوراثة قد تحدد معدل الأيض أي معدل حرق السعرات الحرارية لإنتاج الطاقة، مثلا الأشخاص النحيفين لهم معدل أيض مرتفع عكس البدينين، أيضا تتدخل الوراثة في الشهية و أماكن توزع الدهون في الجسم و غير ذلك، مما يدل على أن هناك أشخاص لهم استعداد وراثي للسمنة، يعتقد العلماء أن مثل هؤلاء الأشخاص كانوا محظوظين في أوقات المجاعات حيث استطاعوا البقاء على قيد الحياة معتمدين على القليل من الطعام، لكن عندما أصبح الطعام متوفرا أصبحوا معرضين للسمنة أكثر من غيرهم.
الادوية و السمنة
هناك بعض الأدوية تسبب السمنة كالأدوية المضادة للحساسية، و الأدوية المهدئة للأعصاب، لأن بعضها يفتح الشهية، و بعضها الأخر يقلل من نشاط الانسان فتتراكم السعرات الحرارية في جسمه على شكل دهون و يصاب بالسمنة.
الثوتر و القلق قد يسببان السمنة
الاعتقاد السائد أن الانسان عندما يشعر بالقلق فإنه يتوقف عن الأكل و يشعر بأن شهيته مغلقة، لكن في المقابل يوجد الكثير من الناس يسرفون في الأكل بمجرد ما ينتابهم القلق و التوتر، في أحد استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة سنة 2007 أقر % 43 من الامريكين أنهم يجدون في الأطعمة الدهنية و السكريات ضالتهم عندما يتعكر مزاجهم.
كيف تحدث السمنة؟
حتى يعمل جسمنا بشكل طبيعي فإننا نحتاج للطاقة، و الجسم يستمدها من مصدرين أساسيين هما السكريات و الدهنيات.
عندما نتناول طعامنا فإن الجسم سوف يقوم باستخدام السكر لإنتاج طاقة فورية، أما الفائض منه فسيحوله إلى غليكوجين الذي هو نوع من أنواع السكر ايضا، و سيخزنه في الكبد و العضلات و ذلك ليستخدمه وقت الحاجة، أما الدهون فسيخزنها في الخلايا الدهنية.
الخلايا الدهنية هي خلايا توجد في جميع أنحاء الجسم، و هي تشبه كرة المطاط تتمدد و تتقلص حسب ما يوجد بداخلها من الدهون، فإذا امتلات بالدهون انتفخت و ازداد حجمها و هذا ما يتسبب في السمنة، إن عدد الخلايا الدهنية عند الشخص الناضج يبقى ثابتا لكن حجم الخلايا هو الذي يتغير.
تحزن الخلايا الدهنية الدهون، و أيضا عندما تمتلأ مخازن الغليكوجين فإن الجسم يحول السكر لدهون و يرسله لهذه الخلايا، هذه هي طريقة جسمنا في تخزين الطاقة.
الان عندما نقوم ببذل مجهود عضلي سيحتاج الجسم بالتأكيد لطاقة كبيرة، و أمامه مخزنان هناك الغليكوجين في الكبد و العضلات، و هناك الدهون في الخلايا الدهنية فبأيهما سيبدأ؟
سيبدأ أولا بالغليكوجين لأن انتاج الطاقة منه أسهل، فهو يشكل مصدرا فوريا للطاقة، إن غرام واحد من السكريات يعطي 4 سعرات حرارية.
لكن عندما تطول مدة المجهود العضلي و تفوق 30 دقيقة و تستهلك مخازن الغليكوجين يتجه الجسم صوب الخلايا الدهنية يطلب منها الدهون ليحولها إلى طاقة، رغم أن غرام واحد من الدهون يعطي 9 سعرات حرارية أي ضعفي ما تنتجه السكريات إلا أن استخراج الطاقة منه أصعب فيتركه الجسم كخيار تاني.
عندما نأكل طعاما غنيا بالدهون أو السكريات و إذا ترافق ذلك مع قلة الحركة فسيقوم جسمنا بتخزين هذا الفائض من الطاقة على شكل دهون في الخلايا الدهنية، لتنتفخ و يزداد حجمها فتحدث السمنة مع مرور الوقت.
مخاطر السمنة
السمنة و مرض السكري
تمت ارتباط وثيق جدا بين السمنة و مرض السكري من النوع الثاني، للاشارة هناك نوعين من مرض السكري سكري من النوع الأول سببه أن الجسم لا ينتج الأنسولين و سكري من النوع الثاني خلاله ينتج الجسم الأنسولين لكن لا تستطيع الخلايا الاستفادة منه.
إن معظم الناس المصابون بالسمنة يعانون في الان ذاته من مرض السكري، و كلما ازداد الانسان سمنة إلا و ارتفعت احتمالية إصابته بالسكري. فكيف نفسر هذه العلاقة؟
عندما نتناول الطعام ترتفع نسبة السكر في الدم، و كما أشرنا من قبل فإن السكر هو المصدر الأول للطاقة، و كل خلايا الجسم هي في أمس الحاجة له لكي تنتج منه الطاقة و تؤدي وظائفها على أكمل وجه، لكن الخلية لا يمكنها أن تستفيد من السكر مباشرة بل لا بد من حضور هرمون يسمى الانسولين.
الانسولين هو هرمون ينتجه البنكرياس، هو بمثابة المفتاح الذي يفتح باب الخلية ليمكن السكر من الدخول إليها، بمجرد ما تتم العملية فإن خلايا الجسم تستطيع إنتاج الطاقة و تنخفض على إثر ذلك نسبة السكر في الدم. هذا عندما يكون كل شيء يعمل كما ينبغي.
لكن في حالة السمنة و بسبب كثرة الدهون فإن مستقبلات الانسولين في الخلايا تصبح غير صالحة، فكما شبهنا الانسولين بالمفتاح فإن مستقبلات الانسولين التي هي بمثابة القفل حيث يدخل المفتاح تصبح غير ملائمة، و ليست على مقاس المفتاح فلا تتفتح أبواب الخلايا، و بالتالي لا يدخل السكر إليها و يبقى في مجرى الدم، هذا ما يسمى بمقاومة الانسولين.
مع ذلك يستمر البنكرياس في إنتاج الانسولين، ثم بمرور الوقت يصاب البنكرياس بالاجهاد و يستسلم و يصبح المرء حينئد مصابا بالسكري من النوع الثاني.
و قد يتساءل المرء ما الذي يمكن أن يحدث لو وجدت كمية كبيرة من السكر في مجرى الدم؟
ببساطة الخلايا التي هي في حاجة إليه و تعول عليه لإنتاج الطاقة لن يصلها و بالتالي لن تعمل بالشكل الجيد و سيشعر الانسان بالعياء الشديد عند أبسط مجهود عضلي كما أن السكر يقوم بإتلاف الأعصاب و يعرض الانسان لأمراض خطيرة.
السمنة و ارتفاع الكوليسترول
تمت خطر أخر يتهدد الأشخاص المصابون بالسمنة أكثر من غيرهم ألا و هو ارتفاع الكوليسترول، و ما يجره ذلك من أمراض بالغة الخطورة
الكوليسترول هو نوع من أنواع الدهون جزء منه يأتي من الطعام الذي نأكله، و الجزء الاكبر يقوم الكبد و أعضاء أخرى بتصنيعه، عندما نتناول طعاما غنيا بالدهون فإنه ينتقل من المعدة صوب الأمعاء الدقيقة التي تقوم بامتصاص الكوليسترول ثم ترسله الى الكبد.
يقوم الكبد بدوره بإرسال كل من الكوليسترول الذي يصنعه و الكوليسترول الذي جاءه من الأمعاء صوب كل خلايا الجسم بواسطة الدم، فكل خلية في الجسم لا يمكنها أن تستغني عن الكوليسترول.فهو ضروري في تكوين الخلية نفسها، و له دور كبير في انتاج الهرمونات الجنسية كالاستروجين و التستسترون.
لكن عندما يزيد تركيز الكوليسترول في الدم عن معدله الطبيعي فهنا تبدأ المشكلة.
لنتذكر أن كل عضو من أعضاء الجسم يحتاج للأوكسجين و الغذاء ليعيش و يؤدي وظائفه، و يقوم الدم يتزويده بكل ذلك عبر الشرايين.
عندما ترتفع نسبة الكوليسترول في الدم فإن ذلك يؤدي إلى ترسبه في الجدران الداخلية للشرايين، و شيئا فشيئا تضيق تلك الشرايين أو تنسد بالكامل، و تقف عائقا أمام مرور الدم إلى اعضاء الجسم.
فلو ضاق الشريان الذي يوصل الغذاء إلى الدماغ مثلا أو انسد نتيجة تراكم الكوليسترول داخله فلن يصل القدر الكافي من الدم للدماغ، و قد تحدث بذلك السكتة الدماغية، أما إذا تعلق الأمر بالشريان الذي يغدي عضلة القلب فقد يصبح المرء عرضة للاصابة بأمراض القلب، إن ارتفاع الكوليسترول يفتح الباب على مصراعيه للأمراض البالغة الخطورة.
إن الشخص المصاب بالسمنة نتيجة تناوله لأطعمة ذات سعرات حرارية عالية غالبا ما يؤدي نمطه الغذائي إلى إصابته بارتفاع الكوليسترول، لأن تلك الأطعمة التي يأكلها تكون في الغالب مشبعة بالدهون، لو نظرنا للطعام الذي يقدم في محلات الأكلات السريعة فسنجد أنه يحضر باستخدام دهون تزيد من نسبة الكوليسترول الضار في الجسم.
هذه الاطعمة تزيد من احتمالية الاصابة بالسمنة و ترفع الكوليسترول في الان ذاته لتسلم الانسان لأمراض خطيرة.
إن قائمة الأمراض التي يكون الشخص السمين عرضة لها لا زالت طويلة، أما كيفية الوقاية من هذا الوباء العالمي فأولا يجب الحرص على ممارسة الرياضة مرتين في الاسبوع على الاقل، اتباع نظام غذائي طبيعي و الابتعاد ما أمكن عن تناول الأطعمة الفائقة المعالجة، فقد تبت أنه حيث يكون هناك استهلاك كبير لهذه الأطعمة فإن نسبة السمنة ترتفع و ترتفع أيضا نسبة الاشخاص المصابين بأمراض مزمنة، و ذلك ليس صدفة على الاطلاق، إذ أن لهذه الأطعمة تأتير خطير على صحة الانسان.