من منا يستطيع الدخول إلى بيت مهجور مجرد التفكير فيه يشعرك بالرهبة فكيف إذا تعلق الأمر بمدن كاملة مهجورة فالأمر سيصبح أشد رعبا، قد يعتقد الناس أن مدن الأشباح لا وجود لها إلا في الأفلام و لكنها حقيقة و ليست خيال، ففي مختلف أنحاء العالم توجد مدن غير مأهولة هجرها سكانها لأسباب عدة إما بسبب الكوارث طبيعية أو حروب أو بسبب أزمات اقتصادية.
لماذا توجد مدن الأشباح؟
أسباب كثيرة تكمن وراء هجران السكان لمدنهم و تحولها بالتالي لمدن الأشباح، السبب الأكثر شيوعا هو أن النشاط الاقتصادي الذي كانت تقوم عليه المدينة أساسا انهار، و كمثال على ذلك المدن التي كانت تعتمد على مناجم الفحم، و يوجد في الولايات المتحدة وحدها الآلاف من البلدات الصغيرة من هذه الشاكلة، بعض مدن الأشباح ظهر بسبب الكوارث الطبيعية كالفيضانات أو انهيارات الأرضية، ففي ايطاليا لم يستطع الناس إعادة إعمار مدينة تاريخية تدعى كراكو craco بسبب انزلاقات طينية خطيرة وقعت بها في الستينات ما جعل سلامة المباني كلها في خطر، أيضا أرغمت سنوات الجفاف المتعاقبة الكثير من السكان على هجر مدنهم و بلداتهم في إفريقيا جنوب الصحراء.
هذه طائفة من اكثر مدن الأشباح شهرة في العالم
مدينة ايبوكين الأرجنتينية
لا يمكن لمن يشاهد ايبوكين اليوم أن يصدق أنها المدينة التي كانت أكثر جذبا للسياح في الأرجنتين، فهي اليوم عبارة عن أطلال مهجورة لم يتبقى منها سوى منازل مخربة، طرق بلا معالم وحدائق خالية على عروشها، ما الذي حدث لهذه المدينة بالضبط؟
بنيت هذه المدينة سنة 1921 و تبعد ببضع كيلومترات عن العاصمة بيونس ايرس، سطع نجمها في السبعينات القرن العشرين بفضل وجود بحيرة كبيرة من المياه المعدنية شاع بين الناس قدرتها على شفاء أمراض متعددة كالروماتيزم، داء المفاصل، أمراض الجلد، من أجل ذلك كان السياح يتوافدون إليها من كل أنحاء الأرجنتين و أمريكا الجنوبية حتى لقبت ببحر الأرجنتين الميت، نسبة إلى أن البحر الميت في الأردن يقصده الناس غالبا لنفس الغرض، و بعدما كانت ايبوكين مجرد مستوطنة صغيرة أخذت تتوسع بشكل مطرد، فأنشئت فيها فنادق فاخرة لتستوعب السياح الذين كانوا يتوافدون بآلاف، و ظهرت فيها متاجر تضاهي تلك الموجودة في العاصمة الأرجنتينية، كانت ايبوكين مدينة نابضة بالحياة و لم يكن تمت شيء يشير إلى أن هذا النعيم سوف يزول في يوم من الأيام.
لكن في سنة 1985 تسببت أمطار غزيرة و رياح عاتية ضربت المنطقة في تصدع سد كان يفصل مياه البحيرة عن المدينة، فبدأت المياه تغمرها شيئا فشيئا، كان الناس يشاهدون مدينتهم و هي تغرق تدريجيا دون أن يجدوا وسيلة لانقادها، فسارعوا إلى إخلاء المكان قبل حدوث كارثة و استمرت المياه في التدفق حتى غمرت المدينة بالكامل تقريبا.أصبحت ايبوكين جزءا من تلك البحيرة التي كانت سببا في ازدهارها.
سنة 2010 أخذت المياه تتراجع لتكشف النقاب عن مدينة ايبوكين، لكنها لم تعد تشبه ايبوكين الأولى في شيء، ففقد تحولت إلى مدينة أشباح بكل ما تحمل الكلمة من معنى، مليئة بالحطام و بالمنازل المدمرة و بسيارات من الطراز القديم قد اعتلاها الصدأ، و أصبحت خارج نطاق الخدمة، لقد أضحت ايبوكين تثير الهلع بعد أن كانت تهفو قلوب الناس لزيارتها.
من المثير أن هناك شخص واحد لا يزال يعيش في هذه المدينة الشبح، و هو رجل مسن ولد في ايبوكين و أمضى أحلى أيام طفولته بين جنباتها، و رغم أنه زار أماكن كثيرة إلا انه أبى إلا أن يعود إليها، و يكمل فيها باقي أيام حياته و هو اليوم الشخص الوحيد الذي يقطنها.
اليوم يزور الناس ايبوكين ليس ليسبحوا في بحيرتها أو ليتنزهوا في حدائقها بل ليروا بأم أعينهم مدينة ازدهرت و سادت ثم بادت.
جزيرة البوارج اليابانية
هذه قصة جزيرة كاملة مهجورة كانت في الأمس القريب مكتظة بالسكان لدرجة أنها كانت تعتبر أحد أكثر المناطق كثافة في العالم، جزيرة البوارج اليوم لا يسكنها أحد و ليس فيها سوى مباني عملاقة بعضها لازال قائما و بعضها انهار، و مصانع مهجورة قد غطى آلاتها الصدأ، يكاد يستحيل لمن يرى الجزيرة اليوم و هي فارغة أن يصدق أن نصيب الفرد من مساحتها كان متر و نصف تقريبا في أوج ازدهارها.
بدأ نجم الجزيرة يسطع مع اكتشاف الفحم بها في أواخر القرن التاسع عشر، و حينها كان الفحم سلعة قيمة نظرا لأنه كان مصدر الطاقة الوحيد قبل اكتشاف البترول، سارعت اليابان إلى السيطرة على الجزيرة قبل أن تسبقها إليها القوى الاستعمارية الغربية، فأنشأت مستوطنات لإيواء عمال الفحم و في فترة الحرب العالمية الثانية قامت اليابان بجلب الكوريين و الصينيين للعمل في مناجم الفحم بالقوة، و الكثير منهم قضى نحبه في الجزيرة بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
من أجل إيواء زهاء 5000 نسمة قامت اليابان أن ذاك بتشييد عمارات سكنية ضخمة من عدة طوابق، مستشفيات، مدارس بحيث كانت الجزيرة قائمة بذاتها، و بسبب ذلك اختفت الحياة الطبيعة من على سطحها تماما حتى كانت تسمى الجزيرة التي لا خضرة فيها. سنة 1974 توقفت مصانع إنتاج الفحم عن العمل و لم يعد للسكان معنى من إقامتهم في جزيرة مزدحمة ليس فيها سوى الاسمنت و الخرسانة فهاجروا بالتدريج حتى لم يعد يعيش بها أحد،كانت الطبيعة هي الفائز من كساد صناعة الفحم إذ عادت النباتات لتكتسح الجزيرة مجددا حتى لم يعد لقب جزيرة بلا خضرة يليق بها اليوم.
تحاول اليابان اليوم استغلال هذه الجزيرة بفتحها في وجه السياح و من أجل ذلك تجري عمليات مكثفة للتأكد من سلامة المباني و المرافق حتى لا تشكل خطرا على الزائرين.
مدينة فاروشا
في جزيرة قبرص توجد مدينة رائعة تقع على شاطئ البحر تدعى فاروشا تضم فنادق فاخرة و مباني سكنية، مقاهي و مطاعم، المدينة كلها صممت على أحدث طراز لتكون منتجعا سياحيا يجذب الناس من كل أنحاء العالم، لكن المفاجأة هي أن هذا النعيم لا يقطنه أحد، فالمدينة مهجورة بالكامل، مرافقها خالية و شواطئها مطوقة بالأسلاك الشائكة، ما الذي حدث لفاروشا أين ذهب سكانها؟
مدينة فاروشا المهجورة هي شاهدة على الصراع الطويل الأمد الذي يدور بين كل من تركيا و اليونان على جزيرة قبرص، لنفهم لماذا ألت هذه المدينة إلى هذا الحال لا بد أن نعود بالزمن إلى الستينات القرن العشرين حين أعلنت جزيرة قبرص استقلالها من بريطانيا و كانت تضم كلا من اليونانيين و الأتراك، حاول أحد الحكام القبارصة ذو أصل يوناني إلحاق الجزيرة بالكامل باليونان دون الأخذ بعين الاعتبار لحقوق الأتراك الذين يتقاسمون معهم الجزيرة، فسارعت تركيا بدورها إلى غزو الجزيرة سنة 1974 و بذلك تم تقسيم الجزيرة إلى شطرين، احتلت تركيا شمال قبرص و شكلت فيها ما يعرف بجمهورية قبرص التركية الغير معترف بها دوليا، تقع فاروشا في هذا الجزء من قبرص، و كانت تقطنها غالبية يونانية فلما تم تقسيم الجزيرة هجرها السكان و تحولت إلى منطقة عسكرية محظورة مطوقة بالأسلاك الشائكة تحت سيطرة تركيا.
لقد توقفت عجلة الزمن بفاروشا عند السبعينات القرن العشرين، اليوم تسعى تركيا لإعادة فتح المدينة مجددا، و من يدري فقد تعود الحياة لتدب فيها مجددا و تنبعث لؤلؤة البحر المتوسط من بين الركام.
أم الحويطات أشهر مدن الأشباح في مصر
في الصحراء المصرية و تحديدا بمحافظة البحر الأحمر تنبثق مدينة كاملة من بين التلال القاحلة، مدينة تضم في ثناياها كل المرافق التي يحتاجها الإنسان منازل بمختلف الأحجام، مدارس، طرق، مسجد كبير لكن إذا دخلت المدينة ستجد نفسك تتجول لوحدك، فلا صوت يعلو على صوت الرياح، الطرق خالية، المنازل مهجورة و المسجد الكبير لا يرفع فيه أذان، أين ذهب سكان هذه المدينة؟
إنها تسمى أم الحويطات نسبة إلى كونها محاطة بالتلال من كل جانب تقريبا، و كانت في الماضي مركزا مهما لاستخراج الفوسفات و ذلك منذ زمن الاحتلال الانجليزي، و بعد الاستقلال انتقلت ملكية الاستخراج إلى المصريين.
أنشئت مدينة أم الحويطات خصيصا لإيواء العمال و المهندسين، فبنيت فيها المساكن و المدارس و كل المرافق الضرورية حتى أصبحت تضم 16 ألف شخص.و لأن المدينة كانت معزولة نوعا ما فقد عاش الناس فيها و كأنهم عائلة واحدة، و يحكي الذين كانوا يسكنونها كيف أن أبواب المنازل كانت تبقى مشرعة دون خوف من السرقة، و إذا ما حصل فرح أو ترح لأحد فإن الفرح واحد و العزاء واحد.
منذ التسعينات دخلت المدينة مرحلة الاحتضار، فقد تراجع إنتاج الفوسفات و بدأت المحاجر تغلق الواحدة تلو الأخرى حتى لفظت المدينة أنفاسها الأخيرة سنة 1997 حين دمرت السيول الكثير من مبانيها، فقامت الحكومة بنقل السكان لمدينة جديدة تحمل نفس الاسم لكن ليس نفس المعنى لدى السكان.
غادر الناس أم الحويطات و هي حاليا مدينة مهجورة لكنها لازالت حية في قلوب الذين سكنوها و ترعرعوا بين جنباتها و ذكرياتها تتراءى بين أعينهم.اليوم تروى قصص كثيرة عن أشباح تجوب المدينة رغم أنه لم يثبت فعليا أن رآها أحد رأي عين، و إن كانوا حقا هناك فقد أسدوا خدمة جليلة لمصر بأن أصبح الألوف من السياح من مصر و خارجها يأتون لأم الحويطات من أجل هذا الغرض.
ماذا عن بلدك هل توجد فيه مدن اشباح؟ إن كان الامر كذلك فلا تتردد في اخبارنا عنها.