في محاولة الإجابة عن سؤال من الأسبق التوحيد أم الوثنية، و بعد البحث في معتقدات الشعوب الأكثر بدائية و التي تعيش بين أظهرنا سنحاول الان فحص الميراث الذي تركته الحضارات القديمة، لنرى هل كانت كلها وثنية صرفة أم كان التوحيد حاضرا فيها كذلك.
الحضارة المصرية
تعتبر الحضارة المصرية من بين أقدم الحضارات في العالم و أكثرها تقدما و تميزا، فمصر تعد من بين أولى المناطق في العالم التي ظهرت فيها الزراعة و حدث فيها الاستقرار البشري، و قد تعاقبت على مصر حضارات متعددة أشهرها الحضارة الفرعونية التي تمتد من 3200 قبل الميلاد إلى 323 قبل الميلاد، ففي هذه الحقبة ازدهرت الحضارة المصرية و بلغت أوجها، و خلالها تم بناء الأهرامات و المعابد و التماثيل كتمثال أبو الهول، و اخترعت الكتابة في شكلها الهيروغليفي، و شهدت الحضارة الفرعونية تعاقب الكثير من الأسر الحاكمة.
لقد سيطر الدين على حياة الانسان المصري القديم في كل مناحي حياته، و بسبب ذلك أنشأ المعابد و الأهرامات، و قد ذكر أحد علماء تاريخ مصر أن تسعة أعشار ما حفظته لنا الأيام من النقوش المصرية القديمة موقوف على أغراض دينية محضة و جل العشر الباقي يشتمل على معلومات لها دخل بالدين أيضا و هناك رسومات تظهر أن المصريين القدماء امنوا بالبعث بعد الموت، و بكون مصير الانسان يتحدد بعد مماته بناءا على أعماله في الدنيا.
يقر العلماء بوجود فجوات كثيرة تتخلل معرفة ديانة المصريين القدماء مما يضطر الكثير منهم إلى الاستعانة بالتكهنات و الافتراضات في إنجاز أبحاثهم، و السبب في ذلك أنه رغم ما تم الكشف عنه من المؤلفات الدينية للمصريين التي عثر على معظمها صدفة في المقابر مدفونة مع الموتى فإن هناك الكثير من المؤلفات الدينية الأخرى لم تكتشف بعد أو فقدت.
يعد كتاب الموتى الفرعوني من أقدم الكتب التي تخص ديانة المصريين القدماء، و قد سمي بهذا الاسم لأنه قد عثر عليه في المقابر القديمة، و ما ورد في هذا الكتاب جعل علماء الاثار و المؤرخين يعيدون النظر في كون الحضارة المصرية كانت وثنية خالصة، و أن المصريين عبدوا 2800 إله و لم يكن لهم أدنى تصور عن الإله الواحد، و هذه بعض النصوص التي جاءت في هذا الكتاب:
أنت الأول و ليس قبلك شيء و أنت الاخر و ليس بعدك شيء.
يذكر الكتاب أيضا ما يجب على الميت قوله عندما يقف أمام الله يوم الحساب: السلام عليك أيها الإله الاعظم، الإله الحق، لقد جئتك يا الهي خاضعا لأشهد جلالك، جئتك يا الهي متحليا بالحق متخليا عن الباطل فلم اظلم أحدا، و لم أسلك سبيل الضالين، و ما قتلت و ما غدرت بل و لا كنت محرضا على قتل، إني لم أسرق من المعابد خبزها، و لم ارتكب الفحشاء و لم أدنس شيئا مقدسا و لم اغتصب مالا حراما، و لم انتهك حرمة الاموات، إني لم أبع قمحا بثمن فاحش، و لم أغش الكيل، أنا طاهر أنا طاهر و ما دمت بريئا من الاثم فاجعلني يا الهي من الفائزين.
و قد قال الفرنسي شمبليون الذي فك شفرة الكتابة الهيروغليفية:
لقد استنتجنا مما هو منقوش على الأثار أن الأمة المصرية كانت أمة موحدة في عبادتها لله و أنهم كانوا يعتقدون بحقيقة الحساب و العقاب.
و قد عكف عالم مصريات الماني يدعى هنري بروجس Heinrich Karl Brugsch على دراسة أثار الديانة المصرية، و بعدما حلل ما كان متوفرا من النصوص و المؤلفات خلص إلى أن التوحيد كان حاضرا في فترات كثيرة من تاريخ الحضارة المصرية لأن هناك نصوصا دينية كثيرة تؤكد ذلك منها:
الاله واحد أحد و لا ثاني له، لا أحد يعرف تكوينه و لا أحد يمكن أن يدرك كنهه، لا شبيه له.
خالق الكون و كل ما فيه خلق السماوات و الأرض و الأعماق.
خلق ما تحت الثرى و الجبال و المياه1.
كما ذكر عالم المصريات الفرنسي دي روجيه2 Emmanuel De Rouge:
لقد كان التوحيد بإله أزلي أبدي قادر على كل شيء خلق كل العالم و الكائنات الحية حاضرا عند المصريين القدماء، و مثل هذه القاعدة السامية يجب أن تضع عقائد المصريين في أشرف و أكرم مكان بين العقائد العالم القديم.
كما قال والاس بيدج E.A. Wallis Budge:
لقد كان موجودا بين المصريين أفكارا توحيدية لا تقف بعيدا عن تلك الافكار الحديثة السائدة اليوم3.
و في نفس الصدد ذكر عالم الاثار انطوان زكري:
زعم البعض أن قدماء المصريين عبدوا الأوثان في كل العصور، و لكن الاثار المنقوشة في المقابر و المعابد و المكتوبة على أوراق البردي دلت على أنهم كانوا يعبدون الله الفرد الصمد4.
هكذا يظهر لنا جليا أن ديانة المصريين القدماء لم تكن دوما وثنية كما تروج له كتب التاريخ، إذ يبدو أنها قد قامت في البدء على التوحيد ثم تدريجيا بدأت مظاهر الوثنية تغزو المجتمع المصري القديم، فالتوحيد و الوثنية وجدا معا في مصر القديمة و هذا ما تؤكده الاثار و المؤلفات التي عثر عليها.
التوحيد في الديانة الزرادشتية
تبدو أثار التوحيد ظاهرة أيضا في الديانة الزرادشتية أو المجوسية التي ظهرت في ايران على يد زرادشت بين القرنين السادس و السابع قبل الميلاد، أي قبل ظهور اليهودية.
لقد كانت دعوة زرادشت تتمحور حول عبادة إله واحد هو اهورامازدا الذي يوصف بأنه الاله الواحد، الذي لا شريك له، العليم الحكيم، و قد قال زرادشت عنه أنه بإرادة اهورامازدا فقد ظهر كل شيء إلى الوجود.
امن زرادشت بوجود الملائكة، و بيوم البعث حيث سيحاسب الانسان على كل أعماله، كما بين لأتباعه أن روح الانسان هي محط صراع بين الخير و الشر، و أن الله قد زود الانسان بكل الوسائل ليميز الحق من الباطل، و دعا إلى عدم اتباع خطوات اهريمان الذي هو الشيطان.
ورد في الكتاب المقدس للزرادشتية المسمى افيستا:
إلهي خالصا مخلصا توجهت إليك فأكرمني بثواب الداريين5
إلهي يداي مبسوطتان ادعوك و اصلي لك و أسالك العافية و الطمأنينة6
أنت وحدك اهورامازدا الاله و إنك الأحد القدوس الخير الحق.
هكذا بدأت الديانة الزرادشتية توحيدية صرفة ثم بمرور الوقت أخذت تنحرف إلى الوثنية، ففي القرن الثاني و الثالث ميلادي أصبح من الجائز اتخاذ الاصنام لتعبد إلى جانب اهورامازدا الذي اصبح يصور على هيئة رجل يمتطي حصانا، ثم تحول اهريمان الذي هو الشيطان إلى إله للشر، و بذلك اصبحت الزرادشتية أو المجوسية ديانة ثنائية يعبد فيها الهين اثنين إله للخير و إله للشر، إننا لو تتبعنا تاريخ تطور الديانة الزرادشتية فسيتضح لنا كيف أنها قد تدهورت من التوحيد إلى الوثنية، و كيف أن الكثير من المعتقدات الغريبة التي حاربها زرادشت نفسه قد تسربت إليها.
التوحيد في الهندوسية القديمة
الهندوسية ديانة يعتنقها معظم سكان الهند، و هي تكاد تكون ديانة حصرية في هذه البلاد، و تتضمن الهندوسية مجموعة من المعتقدات و الممارسات التي تراكمت عبر الالاف السنين، و ليس لهذه الديانة مؤسس و لا تاريخ محدد لظهورها.
و رغم عبادة عدد هائل من الألهة في الهندوسية بحيث يقدر عددها ب 333 مليون فإن هناك ثلاثة الهة رئيسية تشكل ما يعرف بالثالوث الهندوسي، و هي براهما الخالق و الذي نادرا ما يعبد، فيشنو الحافظ و الذي يتجسد في كثير من الأحيان في صورة بشر ليمد يد المعونة لمن يطلبه و يأتي غالبا في شخص كريشنا، ثم شيفا الهالك و لكل هذه الالهة أزواج و ذرية.
يمكن للمرء الذي يحاول دراسة الديانة الهندوسية أن يرصد مقدار التضارب في الروايات و الأساطير، اضافة إلى ما تتضمنه من أفكار و فلسفات معقدة للغاية مما يجعل من فهم هذه الديانة أمرا بالغ الصعوبة، و كما ذكرت دائرة معارف لاروس إن الديانة الهندية هي ادغال من النباتات الكثيفة، لا يمكن الخروج منها، عندما تدخلونها تفقدون ضوء النهار و كل إحساس واضح بالاتجاه.
الكتاب المقدس عند الهندوس هو الفيدا، و يزعمون أنه وحي من الله و هو ينقسم إلى أربعة أجزاء الريغ فيدا، ساما فيدا، ياجور فيدا، اثارفا فيدا، و هذه الكتب هي بمثابة دائرة معارف الهندوس تضم مجموعة من القواعد و الصلوات و الأدعية، و كما الحال مع الهندوسية نفسها لا يمكن تحديد تاريخ دقيق لظهور الفيدا لكن يميل معظم العلماء للقول بأنها الفترة ما بين 1500 و 2000 قبل الميلاد. ثم بعد ذلك ربما في 900 قبل الميلاد ألف رجال الدين الهندوس كتبا هي بمثابة شروحات للفيدات ككتاب الاوبانيشاد و فيه ثم ذكر مبدأ تناسخ الارواح.
و رغم أن الهندوسية تمثل نموذجا لديانة وثنية إلا أنه يمكن أن نجد الكثير من اثار التوحيد في الفيدا التي تعتبر أقدم و أكثر الكتب قدسية لدى الهندوس، و نذكر منها:
حقا إنه واحد احد لا يستطيع أحد أن يراه و هو العلي اثارافا فيدا 13/4/20
هو واحد لا مثيل له. ريغ فيدا 8/1/27
هو العظيم مالك الارض و السماء . ريج فيدا . مندل 1 سوكت 100 منترا 1
الله هو الذي خلق الليل و النهار و هو مالك الدنيا و ما فيها و هو الذي خلق الشمس و القمر و الارض و السماء ريغ فيدا مندل 10 سوكت 190 منترا 2-3
على الناس أن يعبدوا الله وحده و يطيعوا حكمه دائما و أبدا. ريغ فيدا ج1. منترا 91.ص.240
إن الله ينظر إلى الناس في كل وقت و في كل مكان ريغ فيدا ج1 منترا 83. ص 220
يا أيها الاصدقاء لا تتعلقوا بأي شيء سوى الله صاحب النعيم الاعظم فإن فعلت ذلك فلن تشقى أبدا قدسه في الجماعة و اذكروا مجده مرارا و تكرارا ساما فيدا 242
و حتى بعد الموت لا وجود لمبدأ التناسخ أو الولادة المتكررة الذي تدعيه الهندوسية ففي كتاب الفيدا:
اجعلني خالدا في المكان الذي تودع فيه جميع أنواع المتع و السرور و الذي تعطي فيه ما تشتهيه الأنفس. ريغ فيدا . مندل 9 سوكت. 113. منترا 11-9
و بالنسبة للمذنبين الظالمين.:
مكان غاية في العمق بعيد قعره للمذنبين ريغ فيدا مندل .4 سوكت. 5 منترا 5
و تحرم عبادة الاصنام:
الذي يعبد من دون الله الاشياء المصنوعة فهو يغرق في الظلمات و يذوق عذاب النار . ياجور فيدا سوكت. 40 منترا 9
ذلك هو الله الذي يستحق أن يعبده الانسان و الذين يتخذون من دون الله الهة اخرى فأولئك الأشقياء يجدون المصائب الكبرى المخيفة دائما. ريج فيدا . مندل1 سوكت 7 منترا 9
الذين يعبدون الالهة ينالون الالهة، و الذين يعبدون الاسلاف ينالون الاسلاف، و الذين يعبدون الشيطان ينالون الشيطان، و الذين يعبدونني يجدونني. بهاغافاد غيتا 9-25
قال أحد علماء الاديان في خصوص الديانة الهندوسية:
هناك توحيد في الفيدا يسبق الشرك، و حتى في استدعاء الهتهم السفلى فإن ذكر الاله الواحد غير المحدود يخترق ضباب العبارات الوثنية مثل السماء الزرقاء التي تحجبها السحب العابرة.
فمن الواضح مما سبق أن الهندوسية قد تعرضت لتحريف شديد حتى أصبحت مليئة بمظاهر الوثنية التي تتنافى مع أبسط قواعد التوحيد، كما أن التمييز الطبقي فيها و الذي يكرس فقر شريحة كبيرة من المجتمع يتعارض مع كرامة الانسان.
امبراطورية الإنكا
و لننتقل الان من العالم القديم إلى العالم الجديد قارة امريكا و تحديدا صوب أكبر امبراطورية قامت فيها ألا و هي الإنكا التي امتد سلطانها على مناطق كثيرة من أمريكا الجنوبية، و يظهر أن دين الإنكا كان وثنيا لأنهم كانوا يعبدون أوثانا كثيرة يعتقدون في قدرتها على تسير شؤون العالم، كل حسب اختصاصه، لكن حتى في هذه الديانة التي قامت في مجتمع عاش منعزلا لفترة طويلة فإن أثار للتوحيد و عبادة إله واحد لا زانت قائمة مما يدل على أن ديانة الإنكا قد انحدرت بدورها من أصل توحيدي، ثم طالها التحريف مع مرور الوقت.
فالخالق عند الإنكا يسمى فيراكوشا الذي يوصف بصفات الكمال، و هو منزه عن النقص، و قد ورد في الترانيم و الادعية التي كان يرددها شعب الإنكا7:
أيها الاله الذي قال لتكن هذه ارض، و لتكن هذه سماء، الذي وضع الساحر الأحمر أسفل سافلين، ساعدني و استجب لصلواتي
يا أيها الاله، الأزلي، العظيم، لأنك انت الذي خلقت و أنشئت فقلت ليكن هذا رجل و لتكن تلك امرأة، الخالق، ارزقني حياة مطمئنة و أمنة.
التوحيد في الديانة الصينية
البوذية هي الديانة الاكثر انتشارا في الصين، و هي ديانة وثنية تقوم على عبادة الكثير من الالهة و الأرواح، و لا يوجد فيها إله خالق أعلى لكن البوذية ليست هي أول ديانة ظهرت في الصين، فالبوذية أساسا لم تولد في الصين بل في الهند على يد بوذا الأمير الهندي الذي كان يعيش حياة الرفاهية و البذخ ثم قرر أن يترك كل ذلك ليكرس حياته للتأمل و العبادة، و انتشرت تعاليمه في الكثير من مناطق اسيا حتى وصلت إلى الصين في القرن الخامس قبل الميلاد، إذن فما الذي كان يعبده الصينيون قبل البوذية
لقد كانت الطاوية هي دين معظم سكان الصين، و هي ديانة وثنية تقوم هي الاخرى على عبادة الكثير من الالهة، فهناك إله الرحمة، و إله المال، و إله الخصوبة، و إله الحرب و الكثير الكثير من الالهة، لكن قبل الطاوية و في حوالي 2500 قبل الميلاد و هي الفترة التي توافق ظهور اولى الحضارات في الصين كان الناس يعبدون إلها واحدا هو شانغدي و الذي يعني باللغة الصينية الرب في الاعلى، و حسب ما ورد في النقوش العظام القديمة فإن من اوصاف شانغدي حسب ما ذكرته الموسوعة البريطانية:
أن له القدرة التامة و المطلقة على منع الاوبئة و الجفاف و الفيضانات و العواصف المدمرة
و يذكر أحد النصوص: إنها لا تمطر هل شانغدي يعاقب هذه المدينة هل شانغدي لا يرضى على أفعالنا
لقد كان الصينيون القدماء يقدسون شانغدي غاية التقديس، و لم يسبق لهم أن اتخذوا صورة أو صنما له، و قد بنى امبراطور معروف في تاريخ الصين باسم الامبراطور الاصفر معبدا خاصا لشانغدي يعرف بمعبد السماء، و كان هذا الملك يذبح ثورا عظيما كأضحية يتقرب بها إلى الاله.
اليوم في الصين تعبد الهة كثيرة، و من الممكن أن نحدد تاريخ بداية عبادة اله معين لكن لا يمكن لأحد أن يعرف متى بدأت عبادة شانغدي إذ يبدو أنه أقدم ما عبده الصينيون، و طوال تاريخ الصين المديد فقد أخلص الصينيون العبادة لشانغدي وحده في فترات معينة و في فترات اخرى اشركت معه الهة كثيرة، و هكذا تأرجح تاريخ الصين بين التوحيد الذي كان هو الأصل و الوثنية.
فما حصل مع الهندوسية و الزرادشتية تكرر هو نفسه مع ديانة الصين فهناك تدهور واضح من التوحيد إلى الوثنية و ليس العكس، و بالتالي فإن التوحيد كان قائما في الحضارات القديمة بل هو أول ما عرفته ثم حدتث الوثنية فيما بعد، و هذه الحقيقة يؤكدها القران الكريم
كانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
لقد كان الناس أمة واحدة على الايمان و دين الحق ثم ظهر الكفر بينهم فأرسل الله تعالى الرسل، و أنزل معهم الكتب لهداية الناس الى الصراط المستقيم ، كما ذكر الله تعالى أن سبب اختلافهم هو البغي أي الظلم و الصراع بينهم على الدنيا.
بأن الأمم السابقة كان منها الوثنية و منها الموحدة قال الله تعالى في سورة الواقعة:
«ثلة من الأولين وقليل من الآخرين»
و قد فسر بعض العلماء أن الاولين هم الامم السابقة التي سيدخل عدد غفير منهم الجنة بفضل ايمانهم بالله تعالى.
فكما هو مشاهد في عصرنا الحالي حيث نجد الموحد و الوثني كذلك كان البشر في العصور القديمة، فلو نظرنا إلى مكة المكرمة مثلا فسنجد أن سكانها في الأصل كانوا من الموحدين لله ثم جاءت فترة انتشرت فيها الوثنية بعد أن أتى رجل يدعى عمرو بن لحي بأصنام من الشام، ثم وضعها حول الكعبة، و مع ذلك اعترض عليه الناس فأنشد بعضهم يقول:
ياعمرو إنك احدثت الهة
شتى بمكة حول البيت انصابا
و كان للبيت ربا واحدا أبدا
فقد جعلت له في الناس أربابا
ثم عادت مكة المكرمة مجددا إلى التوحيد بعد بعثة الرسول عليه السلام.
و ما حصل في مكة المكرمة ينطبق على أي مكان اخر في العالم، أما الإدعاء بأن كل الحضارات القديمة كانت وثنية صرفة بناءا على بعض الاكتشافات الاثرية التي لا تعطي صورة كاملة للحياة الدينية لشعب من الشعوب فهو إدعاء خاطئ، فهذا يعني أن تلك الحضارات لم تكن تعرف الله، و أن الله قد ترك البشر تائهين حائرين حتى ارتقوا في فكرهم و توصلوا اليه، و هذا يكذبه العلم و الدين فعلميا الاكتشافات الاثرية و مؤلفات الشعوب القديمة تثبت معرفتها لله تعالى و عبادتها إياه و دينيا فالله تعالى قد أرسل الرسل لهداية الناس إلى الطريق المستقيم و تقام الحجة عليهم فأمن من أمن و كفر من كفر.
فاللهم جلت قدرتك و تعالت حكمتك و تبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك فاطر السماوات و الارض عالم الغيب و الشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى الصراط المستقيم.
الاحالات
The Egiptian book of the dead . W . Budge. P 84-851
Etude sur le rituel funéraire des anciens egyptiens2
3الهة المصريين / بدج / ص 146
4الادب و الدين عند قدماء المصريين . ص 141
5الافيستا . تقرير و تحقيق جليل دستخواه. الترجمة الفارسية . ج 1 ص 7
6نفس المصدر
Rowe. J. Howland. Eleven Inca prayers from the zithhuwa Ritual. P 82-997
المصادر
نديم السيار . قدماء المصريين اول الموحدين. الطبعة الثانية 1995
عسان طه حسين- ازهر هادي فاضل. التوحيد عند الهندوس في المصادر العربية الاسلامية. مجلة التربية و العلم . المجلد 19 العدد 5. 2012
الاستاذ استيندرف الالماني. تعريب سليم حسن. ديانة قدماء المصريين . مطبعة المعارف مصر .1923
د. هيثم طلعت . الهندوسية في ميزان تعاليمها الاصلية
موضوع رائع يستحق القراءة