لا تكاد تخلو الفواكه و الخضر المعروضة في الأسواق اليوم من أثر لمبيدات الآفات، فالحقيقة المؤكدة أننا أصبحنا نعتمد على المبيدات في إنتاج أكثر المحاصيل استهلاكا أكثر من أي وقت مضى، يعود الفضل إلى هذه المبيدات في القضاء على الكثير من الآفات التي كانت تفسد المحاصيل و تتسبب في المجاعات لكن من جهة أخرى لا يمكن أن ننسى أنها عبارة عن مواد سامة في معظمها، و قد تعرض حياة المستهلك للخطر عند سوء الاستخدام، و بين الايجابيات و السلبيات ستظل مبيدات الآفات أحد أكثر المواضيع إثارة للجدل في العالم، فهل هي شر لابد منه؟
ماهي مبيدات الآفات؟
مبيدات الآفات هي عبارة عن مواد تستخدم للقضاء على الآفات التي تتسبب في خسائر بالمحاصيل الزراعية، هناك مبيدات للحشرات و مبيدات للأعشاب التي تقضي على الأعشاب الضارة، مبيدات الفطريات و مبيدات القوارض، و يسمى كل نوع باسم الآفة التي يقضي عليها.
يشبه البعض حاجة المحاصيل الزراعية لمبيدات الآفات بحاجة الإنسان إلى الأدوية، فكما أن الأمراض كانت تتسبب في موت عدد كبير من الناس فيما مضى و أمكن القضاء على الكثير منها باستخدام الأدوية، فإن الآفات كانت تلحق خسائر فادحة بالمحاصيل الغذائية، فقرابة % 30 إلى% 50 من الإنتاج كان يضيع بسببها.و كان يؤدي ذلك إلى حدوث مجاعات خطيرة، ففي أواسط القرن التاسع عشر كانت ايرلندا تعتمد بشكل كبير على البطاطس كغداء لسكانها الذين كانوا يبلغون 8 مليون نسمة، ضربت آفة نوع البطاطس المزروع فأحدثت مجاعة هي الأسوأ من نوعها في أوروبا، حيث يقدر المؤرخون أن مليون شخص قضوا نحبهم فيما هاجر أكثر من مليون آخرون إلى الولايات المتحدة، قبل ذلك و في القرن الرابع عشر تسببت القوارض في نشر الطاعون الأسود في أوروبا و دمرت المحاصيل.
الذين يدافعون عن استخدام مبيدات الآفات في الزراعة يؤكدون أن الهدف من استخدامها هو توفير ما يكفي من الغذاء لإطعام السكان الذين يتزايدون بشكل مستمر، ففي الخمسين سنة الأخيرة تزايد عدد السكان لأكثر من الضعف لكن الأراضي الزراعية لم تتوسع إلا ب% 10 بالتالي فإذا لم نستخدم المبيدات فإن الإنتاج الزراعي لن يفي بالطلب، و سنجد أنفسنا أمام خطر المجاعة.
أضف إلى ذلك أننا أصبحنا نعتمد على مبيدات الآفات أكثر بسبب تحولنا إلى الزراعة العصرية، حيث يتم زراعة محصول واحد فوق مساحة شاسعة، ففي السابق كانت الزراعة المختلطة هي السائدة حيث يتم زراعة أنواع مختلفة من الخضروات و الفواكه فوق قطعة الأرض و بالتالي عندما تصيب آفة نوعا معينا فإنها لا تستطيع الانتشار إلى باقي الأنواع أو حتى إلى أفراد نفس النوع، و بالتالي كانت الأضرار التي تسببها الآفات عموما محدودة، لكن مع الزراعة الأحادية حيث يتم زراعة نوع واحد كالقمح مثلا أو البطاطس أو الذرة فظهور آفة يجعل المحصول مهددا بالكامل، و هذا ما تسبب مثلا في المجاعة التي اجتاحت ايرلندا، فمع توجهنا للزراعة الأحادية أصبحنا أكثر احتياجا و اعتمادا على مبيدات الآفات لحماية المحصول.
إذن يمكن القول أننا مدينون حقا لمبيدات الآفات في وصول الغداء لأفواه الملايين من البشر، و أيضا في أن يصبح في متناولنا أصناف متعددة من الخضروات و الفواكه، و هذه كلها أمور تصب في مصلحة الإنسان فأين يكمن الوجه المظلم لمبيدات الآفات؟ سنعرف ذلك بعد قليل.
كيف تعمل مبيدات الآفات؟
هناك أنواع من مبيدات الآفات التي يتم رشها على النباتات بهدف القضاء على الحشرات أو الفطريات الضارة، هذه الأخيرة تهلك بمجرد ما تلامس تلك المواد السامة، لا تمتص النباتات هذه المواد بل فقط تظل عالقة في أجزائها الخارجية، و قد تجد اثر تلك المبيدات على سطح الفواكه و الخضروات التي تباع في الأسواق، أما النوع الثاني من المبيدات فيسمى مبيدات جهازية هذه المبيدات تخلط بالماء عادة ثم تسقى بها النبتة فتمتصها و بالتالي تدخل هذه المواد إلى أنسجتها، و عندما يقوم الكائن الذي يتسبب في الآفة بأكل أي جزء من النبتة فإنه يموت بسبب ذلك.
متى بدأ استخدام مبيدات الآفات؟
خلال الحرب العالمية الثانية انصبت جهود العلماء لابتكار أسلحة كيماوية فتاكة، و عادة ما كان يتم اختبار فعاليتها على الحشرات هذا ما جعل الإنسان يفكر في استخدام هذه المواد الكيماوية ضد الحشرات و الفطريات التي تسبب أضرارا للمحاصيل الزراعية، أحد أشهر المبيدات التي استعملت على نطاق واسع هو دي دي تي DDT، في البداية كان الناس يعتقدون اعتقادا راسخا أن هذه المادة خالية من أي مخاطر، حتى أنه تم استخدامها على البشر أنفسهم و ذلك للقضاء على القمل الذي استشرى بين الجنود في الحرب العالمية الثانية، لكن التأثيرات الخطيرة لدي دي تي ظهرت فيما بعد ليتم حظر استخدامه سنة 2001 بعد اتفاقية ستوكهولم.
اليوم توجد أنواع كثيرة من مبيدات الآفات أكثرها استخداما هو ما يعرف بالمبيدات الفسفورية العضوية التي يتم استخلاصها من الفوسفات.
هل تشكل مبيدات الآفات خطرا على الإنسان؟
مبيدات الآفات المستخدمة حاليا معظمها مصنوع من مواد كيماوية سامة تم تطويرها في المختبرات بهدف الفتك بالكائنات التي تفسد المحاصيل لكنها قادرة أن تفتك بالإنسان ايضا، أكثر الناس عرضة لخطر مبيدات الآفات هم المزارعون الذين يكونون على احتكاك مباشر معها خاصة أن أكثرهم لا يتخذ الاحتياطات اللازمة عند الاستخدام، كارتداء ملابس واقية، وضع الكمامة وهم بذلك يعرضون صحتهم و صحة عائلاتهم للخطر فهم يحملون هذه المواد السامة في أجسادهم و ملابسهم، مما يتسبب في مضاعفات صحية خطيرة تشمل التسمم، أمراض الجهاز التنفسي و العصبي، العقم، السرطان، تكمن المشكلة أن هذه الأعراض قد لا تظهر إلا بعد مرور مدة طويلة من التعرض لهذه المبيدات، يعتبر الأطفال الفئة الأكثر عرضة لهذه المضاعفات نظرا لأن جهازهم المناعي مازال في طور التكون.
المستهلك أيضا ليس في مأمن
تحرص منظمة الصحة العالمية على أن يتم استخدام مبيدات الآفات بطريقة مضبوطة بحيث لا تشكل أي تهديد على صحة الإنسان، هناك معايير صارمة توضع عادة على ملصق كل مبيد تشرح كيفية و دواعي الاستخدام و الكمية اللازمة بدقة، كما يصف الطبيب الجرعة اللازمة من الدواء لمريضه.
لكن في الدول النامية من النادر أن يلتزم المزارعون بالضوابط الصحية و القانونية الموصى بها. فمثلا قد يتم استخدام مبيدات محظورة عالميا ك دي دي تي يتم تهريبه عبر الحدود و استخدامه بلا حسيب أو رقيب، و هذا يشكل خطرا حقيقيا على صحة المستهلك.
من الخروقات الشائعة أيضا عدم احترام المدة اللازمة بين رش المبيد و جني المحصول فقد يتم الجني بعد يوم أو يومين من استخدام المبيد مع العلم أن معظم المبيدات تحتاج من 15 يوم إلى شهر حتى يتلاشى مفعولها، و على هذا الأساس تصل المحاصيل إلى يد المستهلك و هي تحتوي على كمية خطيرة من المواد السامة، يزداد الأمر خطورة مع مبيدات الآفات الجهازية التي تدخل لأنسجة النبات فالمواد الخطرة التي تحتويها لن تزال بالغسل، علما أن الكثير من مبيدات الآفات تصنف على كونها مواد مسرطنة.
حوادث التسمم بين الناس بسبب استهلاكهم لمحاصيل ملوثة بالمبيدات أكثر من أن تحصر، للأسف لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الوفيات الناتجة عن التلوث بمبيدات الآفات لكن هناك منظمات غير حكومية تؤكد أن الذين يتضررون جراء استهلاك مواد ملوثة بالمبيدات قد يصل ل 40 مليون إنسان كل سنة، منهم من يموت بسبب ذلك و منهم من يصاب بأمراض خطيرة في الجهاز العصبي أو الهضمي، السرطان، العقم، الزهايمر.
من بين أشهر حوادث التسمم بالمبيدات كان وفاة 24 طفلا في مدرسة بالبيرو سنة 1999 نتيجة استهلاكهم لمواد ملوثة بالمبيدات، حدث أمر مشابه في الهند سنة 2013 أسفر عن وفاة 23 شخص، و في بنغلاديش توفي 11 شخصا سنة 2015 بسبب تناولهم لفواكه ملوثة بالمبيدات.
من الملاحظ أن الكثير من حالات التسمم بمبيدات الآفات تحدث في الدول النامية على الخصوص نظرا للتساهل في استخدامها خاصة مع المنتجات الموجهة للاستهلاك المحلي، و هذا الإهمال لا تجده مع المحاصيل الموجهة للتصدير إلى الدول المتقدمة، إذ يحرص خلالها المزارعون على استخدام هذه المبيدات بطريقة صحيحة لأن الدول المتقدمة المستوردة تفحص المحاصيل بدقة حتى تتأكد من خلوها من أي مواد خطرة قد تودي بصحة المستهلك.
تأثير مبيدات الآفات على البيئة
بإمكان مبيدات الآفات أن تتسلل إلى أعماق الأرض حيث المياه الجوفية فتلوت بذلك الآبار، أو قد تغسلها مياه الأمطار حتى ينتهي بها المطاف في الأنهار و البحيرات التي يشرب منها الناس المستوطنون قرب المزارع و بذلك يصبح ذلك الماء محملا بمقادير خطيرة من المواد السامة، و قد حدثت حالات تسمم كثيرة لهذا السبب.
لقد كان الهدف من استخدام مبيدات الآفات هو حماية المحاصيل و تجنيب البشرية خطر المجاعة، لكن المخاطر الصحية و الأضرار البيئية التي تسببت فيها جعل الإنسان يفكر جديا في بدائل أفضل، و تبزغ المكافحة البيولوجية كأحد ابرز الحلول المطروحة، فهل يمكن أن تحل يوما محل مبيدات الآفات؟
المصادر
Kenser Dabady. Pierre Tulk – Agrochemicals and their impact on human Health – Research in panama – April 2015
راشيل كارسون – الربيع الصامت – ترجمة د.احمد مستجير – الهيئة العامة لقصور الثقافة – يناير 2005