الربع الخالي اسم يطلق على صحراء قاحلة في شبه الجزيرة العربية، شكلت بمساحتها المترامية الأطراف و بسكونها المثير للرهبة أرضا خصبة للأساطير فارتبط اسمها بقصص العطش و التيه و الرحلات المحفوفة بالمخاطر بحثا عن مدن قديمة مدفونة تحت الرمال، و رغم كل التطور التكنولوجي الذي بلغه الإنسان فلا تزال صحراء الربع الخالي تنطوي على أسرار لم تكشف بعد.
أين يقع الربع الخالي؟
تقع صحراء الربع الخالي في الجزء الجنوبي الشرقي من الجزيرة العربية و تقريبا تغطي ربع مساحتها ، و هي كبيرة لدرجة أن مساحتها تعادل مساحة فرنسا و بلجيكا و هولندا مجتمعة، و المشهد الذي يستولي عليها هو الكثبان الرملية بكل أشكالها، تكاد هذه الصحراء أن تكون خالية من البشر فهي أرض الهدوء و السكون و الرتابة بشكل قل أن يكون له نظير في العالم.
يتقاسم الربع الخالي أربع دول هي سلطنة عمان، اليمن، الإمارات و المملكة العربية السعودية حيث تقع معظم مساحته.
الربع الخالي اسم على مسمى فهذه الصحراء كما ذكرنا تكاد تكون خالية تماما من الاستيطان البشري، فلا يوجد بداخلها مدن أو حتى قرى، و الناس الذين يعتبرون من سكان الربع الخالي و هم البدو يعيشون على أطرافها فقط حتى يسهل اتصالهم بسكان المدن الأخرى و يعيشون حياة تعتمد على الترحال من مكان لأخر بحثا عن الماء و الغذاء.
و السبب الذي يجعل هذه البقعة غير مضيافة للبشر أن مناخها شديد الجفاف، فالحرارة صيفا تصل ل 52 درجة مئوية و قد تنخفض شتاءا ل 10 درجات و كل ما تتلقاه من الأمطار سنويا لا يتعدى 3 مليمترات، و في بيئة قاحلة كهاته لا يمكنك أن تصادف إلا القليل من النباتات التي تتحمل الجفاف و بعض أنواع العقارب و العناكب تتنقل وسط كثبان رملية لا متناهية.و القليل من الثعالب و الأرانب التي بسبب لونها الشبيه بلون الرمال يصعب رصدها.
لكن لا يوجد حيوان يظهر قدرا كبيرا من التأقلم في بيئة الربع الخالي القاسية كما الجمال، فلولاها ما استطاع الإنسان أن يعبر هذه الصحراء إطلاقا، و من أجل ذلك فإن البدو يقدرونها غاية التقدير لأنهم يدركون أن حياتهم تكاد تتوقف على وجودها، إذ يبدو أن البشر و الجمال في الربع الخالي قد عقدوا شراكة ناجحة بحيث تستمر حياة كل منهما مادامت هذه الشراكة سارية المفعول، فالإبل تمد الإنسان بما يحتاجه من طعام و شراب و وبر علاوة على كونها وسيلة للتنقل و في المقابل تربح الإبل من هذه الشراكة أنها تضمن لنفسها الرعي في أفضل المراعي.
ما الذي جذب الناس للربع الخالي ؟
قد يتساءل المرء ما الذي جذب مئات المستكشفين إلى الربع الخالي رغم أنه لا يعدو كونه مجرد صحراء مقفرة ؟ لماذا تجشم الكثير منهم عناء السفر بين كثبانه تحت وطأة الجوع و العطش ؟ السبب في ذلك هو أملهم في العثور على مدن عظيمة تنتمي لحضارة يعتقد أنها كانت قائمة في الربع الخالي، إذ يزعم البعض أن ارم مدينة قوم عاد التي ذكرت في القران الكريم و وصفها الله تعالى بذات العماد أي ذات الأعمدة الضخمة الكثيرة التي لا تشبهها مدينة أخرى توجد في مكان ما من الربع الخالي.
من البديهي أن أي مستوطنة بشرية لا يمكن أن تزدهر دون وجود المياه على وجه الخصوص، لذلك يبدو من الوهلة الأولى أنه من العبث البحث عن حضارة في الربع الخالي الذي يتسم بالجفاف الشديد، لكن أسفرت رحلات استكشافية قادها رحالة أوربيون أمثال هاري سنت جون فليبي الملقب بعبد الله فليبي و الانجليزي برترام توماس عن نتائج مبهرة خالفت كل التوقعات، فلقد تم العثور على مسطحات مائية جافة في قلب الربع الخالي كانت تشغلها فيما مضى بحيرات مائية لكن الاكتشاف الأكثر إبهارا و إثارة كان العثور على بقايا عظام حيوانات لا تعيش إلا في الأماكن الرطبة كفرس النهر، و ايضا على بعض أدوات الصيد. كيف يمكن لمثل هذه الحيوانات العيش في صحراء قاحلة كالربع الخالي ؟
لا يوجد سوى تفسير واحد هو أن الربع الخالي لم يكن خاليا فيما مضى بل كان ينعم بمناخ أكثر رطوبة مما عليه اليوم ما هيا الظروف الملائمة لتشكل بحيرات قليلة العمق و ازدهار الحياة البرية ثم تلا ذلك ازدهار المجتمعات.
و لقد اتبتت أبحاث العلماء حقا أن الجزيرة العربية لم تكن دائما جافة في كل مراحل التاريخ، بل شهدت الكثير من الفترات المطيرة أخرها كان بين 8500 إلى 5000 سنة من الآن، ففي تلك الفترة كان المناخ بالمنطقة أكثر رطوبة فجرت الأنهار الكبيرة و تشكلت البحيرات و ازدهرت الحياة النباتية و الحيوانية، و ربما البشرية ايضا، لكن بعد 5000 سنة إلى اليوم دخلت المنطقة عصر الجفاف الشديد فجفت البحيرات، توقفت الأنهار عن الجريان و اختفت الحيوانات الكبيرة و استولت الكثبان الرملية على المشهد.
و رغم كل المحاولات التي بذلت من أجل اكتشاف الحضارة المفقودة التي ربما ازدهرت في الفترة التي كانت تنعم فيه المنطقة بمناخ ملائم، إلا أن ما تم العثور عليه إلى حد الآن من بقايا أداوت بشرية ضئيل و متواضع و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينسب إلى مدينة عظيمة كإرم مثلا.
عندما كانت القوافل تجتاز الربع الخالي
رغم جفاف الربع الخالي إلا أن أجزاء منه كانت تشكل جزءا من طريق تجاري قديم عرف بطريق اللبان.
فقد كانت المناطق الجنوبية من الجزيرة العربية خاصة عمان تشتهر بإنتاج نوع من البخور يعرف باللبان، و هو عبارة عن مادة لزجة تستخرج من شجرة اللبان التي تنمو طبيعيا في عمان و اليمن و يتميز برائحته الزكية، كان اللبان سلعة ثمينة تضاهي الذهب في قيمتها مما جعل من سكان الجزيرة العربية في العصور القديمة من بين أغنى شعوب الأرض قاطبة.
كان اللبان مطلوبا باعتباره مادة عطرية و مقدسة في الآن ذاته، فقد استخدمه الفراعنة في تحنيط موتاهم و كان عنصرا ضروريا في احتفالات الرومان، كما كان الأغنياء من الشرق الأوسط يتهافتون على اقتنائه لذلك ازدهرت تجارة عرفت بتجارة اللبان، كانت قوافلها تنطلق من أماكن نمو هذه النباتات في عمان ثم تجتاز القوافل أجزاء من الربع الخالي حتى تصل لوجهتها في الشرق الأوسط، و من هناك ينقل اللبان إلى أوروبا، لكن مع انهيار الإمبراطورية الرومانية و اكتشاف مصادر أخرى للعطور اضمحلت هذه التجارة و انقرضت تماما، و لم تعد هناك قوافل تعبر الربع الخالي و عاد السكون و الرتابة ليخيما على هذه الصحراء من جديد.
كنوز الربع الخالي الحقيقي
و في انتظار العثور على مدن تاريخية في الربع الخالي فإن هذا الأخير مليء بالثروات يأتي في مقدمتها البترول، إذ يعتبر من بين أهم مراكز استخراج البترول في الجزيرة العربية، ففيه يوجد مثلا حقل الشيبة التابع للملكة العربية السعودية، أضف إلى ذلك معادن متنوعة ما جعله يستحق بحق لقب الربع الغالي.
المياه العذبة أيضا تعتبر إحدى ثروات الربع الخالي رغم أن ذلك يبدو مستبعدا للوهلة الأولى، فرغم كونه صحراء قاحلة و مناطق كثيرة منه لا تسقط فيها الأمطار لسنوات فإنه يخفي بحرا من المياه الجوفية، لكن معظمها يوجد على عمق كبير جدا مما يجعل تكلفة استخراجها باهظة، و لذلك يتجه الناس لبدائل أخرى أرخص كتحلية ماء البحر، كما أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بهذه المياه و هي أن رائحتها تشبه رائحة البيض الفاسد مما يجعلها غير مستساغة، و السبب في ذلك احتوائها على نسبة كبيرة من الكبريت لذلك فحتى الآبار الموجودة في الربع الخالي تحتاج مياهها عادة إلى المعالجة.
مناظر خلابة من الربع الخالي
لا يمكنك أن تزور الربع الخالي دون أن تقع في حبه، فرغم أنه لا يحتوي على أشياء كثيرة تستحق المشاهدة إلا أن سحر الربع الخالي يمكن في هدوئه و سكونه المنقطع النظير،الذي يشعر المرء خلاله بأنه في معزل عن هذا العالم الصاخب و يكون هذا السكون أشد وطأة بالليل.
يحظى المرء في الليل برؤية خلابة للسماء التي تتألق بالنجوم المتلألئة كالألماس في مشهد يخطف الألباب.
ما يزال السفر في الربع الخالي محفوفا بالمخاطر و دون التنقل رفقة جماعة من الناس فمن السهل أن يموت الفرد عطشا أو جوعا أو يضل الطريق، لذلك و كما فعل المستكشفون منذ قرون فإن الرحلات الجماعية رفقة أناس من أهل المنطقة هو الطريقة الصحيحة لاستكشاف هذه الصحراء.
المصادر
برترام توماس. رحلات و مغامرات عبر صحراء الربع الخالي. ترجمة د. احمد ايبش. هيئة أبو ظبي للسياحة و الثقافة. دار الكتب الوطنية. 2013
هاري سينت فيلبي. الربع الخالي وصف للصحراء الكبرى في جنوب الجزيرة العربية. صبري محمد حسن.القاهرة المركز القومي للترجمة. 2007
