النجاح هو مطمح الجميع فمن منا لا يريد أن يكون إنسانا متميزا متفوقا يشار إليه بالبنان، لكن لو تأملت في عدد الأشخاص الذين حققوا انجازات عظيمة خالدة فسيبدو لك عددهم ضئيلا، فالناجحون هم قلة، فما الذي يميزهم عن غيرهم هل هو ذكائهم أم الحظ الذي حالفهم في الواقع الفيصل بين النجاح و الفشل هو المثابرة، فالكثيرون يبلون بلاءا حسنا في البداية لكن قليلون هم الذين يستمرون إلى النهاية، الناجحون هم أشخاص عاديون مثلي مثلك وضعوا نصب أعينهم هدفا معينا و قطعوا على أنفسهم عهدا أن يحققوه رغم كل الصعاب الجمة التي واجهوها، لأنهم كانوا واثقين أنهم سيصلون للقمة و إن طال أمد الانتظار، فليس بعد الليل إلا النهار، إن النجاح لا يتطلب بالضرورة موهبة فذة و ذكاء منقطع النظير، بل موهبة عادية و مثابرة غير عادية، يقول ديل كارينجي رائد التنمية البشرية: تتحقق الكثير من الأشياء المهمة في هذا العالم لأولئك الذين أصروا على المحاولة على الرغم من عدم وجود أمل.
المثابرة مفتاح النجاح
المثابرة تعني الإلحاح و التشبث بالهدف حتى يتحقق و من لم يتحلى بهذه الصفة فسيهزم عند أول اختبار، لويس باستور الذي اكتشف لقاحات مضادة لأمراض خطيرة كانت تفتك بالبشرية يقول في أحد أقواله المشهورة: السر الذي قادني إلى تحقيق هدفي هو عنادي و تشبثي.
فليست هي الموهبة و لا الذكاء هما اللذان يصنعان النجاح بل هي المثابرة، و إلا فالعالم مليء بأشخاص فاشلين ذو موهبة و أذكياء لم يخترعوا شيئا، فمهما كنت شخصا عاديا ففي وسعك تحقيق ما تريد فقط إذا ما التزمت به مدة طويلة، ففي المواجهة بين الصخرة و الماء يفوز الماء في النهاية ليس بفضل القوة لكن بفضل المثابرة.
فالكثير من الناس سرعان ما يعلنون استسلامهم و تنطفئ شعلة الحماس فيهم عندما لا يرون نتائج فورية لمجهوداتهم، و الحقيقة أن الأعمال العظيمة لا يمكن أن تتحقق بين ليلة و ضحاها فروما لم تبنى في يوم واحد، و من المحزن حقا أن هذا اليأس يصيب المرء عادة عندما يكون قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمه فيتخلى عنه.
لو تأملت في سير العظماء الذين خلدوا أسمائهم في تاريخ البشرية فستجدهم أكثر الناس تعرضا للإخفاقات و الهزائم خلال مسيرتهم، فقد استهزئ الناس من أفكارهم، تعرضوا للرفض لكن ذلك لم يثني من عزيمتهم، فقد كانوا متيقنين أن ذلك هو فاتورة النجاح و ليس دليلا على العجز.
قصص المثابرين
سوف أقص عليك قصة رجل واجه مصاعب جمة منذ طفولته لكن بفضل مثابرته حقق نجحا أذهل الجميع، ولد في جنوب إفريقيا، عاش طفولة صعبة فقد كان محط سخرية زملائه في القسم، لم يكن متفوقا في الدراسة بل كان مستواه متوسطا لكن لم يكن تمت شيء يستهويه أكثر من العلم و المعرفة، فلقد امتلك حب العلم قلبه و وجدانه و كان يطير فرحا كلما تعرف على شيئ جديد، حتى صار أشبه بموسوعة تمشي على الأرض، كان حلم اكتشاف الفضاء يداعب مخيلته، كبر و كبر معه حلمه ، انتقل إلى كندا و من هناك إلى الولايات المتحدة، عمل كموظف بسيط في شركات متعددة و بعد أن جمع ثروة لا بأس بها قرر تأسيس شركة لاكتشاف الفضاء اسمها سبيس اكس، ثم بدأت فكرة أخرى تستهويه أيضا، ففي ظل التلوث العالمي تساءل لماذا لا يتم اللجوء إلى صنع سيارات تعمل بالكهرباء بدل الوقود الأحفوري؟ لذلك قرر رفقة مستثمرين آخرين تأسيس شركة تسلا للسيارات الكهربائية لكن رغم كل البريق الذي أحاط بالفكرة فقد كانت النتائج الاولى مخيبة للآمال، فالقليل من السيارات هي التي بيعت ثم لما بدأت الأمور تتحسن شيئا فشيئا وجدت الشركة نفسها فجأة على وشك الإفلاس، ماذا كنت ستفعل لو كنت مكان هذا الرجل هل ستواصل المسير أم تغادر المعركة و أنت تجر ذيول الهزيمة هذا الوضع الحرج هو الذي وجد أيلون ماسك فيه نفسه و الذي صنف سنة 2021 كأثري رجل في العالم.
أيلون ماسك اليوم هو المدير التنفيذي لشركة تسلا للسيارات الكهربائية، كانت بداية هذه الشركة محفوفة بالمصاعب، فقد كانت مبيعاتها متوسطة جدا دون التوقعات ثم عندما ضربت الأزمة الاقتصادية العالم سنة 2008 كانت الشركة على شفير الإفلاس لدرجة يقول فيها ماسك أنه لم يكن يملك حينها حتى منزلا أو أي شيء أخر يبيعه لينقد الشركة و وصفها بأنها أحلك لحظات حياته.
كان ماسك مؤمنا بقدرته على تخطي الفشل و بعد أن تعاقد مع شركة دايملر لإنتاج محركات الكهرباء بدأت الأمور تسير من حسن إلى أحسن، اليوم تعتبر شركة تسلا احد اكبر الشركات في العالم، و تخطت مبيعاتها مبيعات شركة تويوتا ، لقد استغرق ماسك و فريقه قرابة 20 سنة حتى يحققوا هذا الانجاز العظيم، و خلال تلك الفترة واجهوا الكثير من التحديات و تعرضوا للكثير من الإخفاقات، لكن كانت نتيجة مثابرتهم هي أن أصبحت سيارات تسلا هي الأكثر مبيعا في العالم.
قصة أخرى من بين أكثر قصص النجاح إلهاما لرجل أمن بحلمه و ثابر من أجل تحقيقه رغم كل الظروف التي عاكسته، لقد ولد هذا الرجل في عائلة فقيرة، أولع بالرسم منذ صغره فكان غاية حلمه أن يصبح رساما في إحدى صحف شيكاغو، لكن لم تقبل و لو صحيفة واحدة عمله، الكل رده ردا غير جميل، بل وصف بأنه شخص يفتقد للإبداع الذي لابد أن يتوفر عند الرسام، نصحه أكثر من شخص بترك هذا المجال بدلا من التعرض للمزيد من الخزي و العار لكنه لم يكثرت لتلك الآراء المحبطة، و قرر مواصلة العمل فأنشأ هو و أخوه الأكبر متجرا للرسوم المتحركة لكن سرعان ما أصاب الإفلاس مشروعه فدفن و هو لا يزال في مهده، جمع القليل من المال و شد الرحال إلى لوس انجلوس في كاليفورنيا لكنه لم يجد من يقدر موهبته، تقدم للعمل كممثل ففشل ايضا، ماذا كنت ستفعل لو كنت مكان هذا الشخص الذي تعرض لهذا الفيض من الإخفاقات؟
أغلبنا كان سيقر بالهزيمة و ينسحب لكن هذا الرجل لم يفعل ذلك، فقد عاود إنشاء متجر للرسوم المتحركة، و بعد أن بدأت الأمور تسير كما كان يخطط له قام احد المنتجين بسرقة محتواه و لم يستطع صاحبنا أن يثبت حقوق ملكيته لكن تلك لم تشكل بالنسبة له ضربة قاضية بل واصل المثابرة حتى اخترع شخصية ميكي ماوس التي أصبحت الشخصية الأكثر شهرة في عالم الرسوم المتحركة.
هذا الرجل هو والت ديزني صاحب فكرة مدينة الألعاب الترفيهية المسماة باسمه التي بدأ بإنشائها سنة 1955، و هو مبتكر الكثير من رسوم المتحركة التي يستمتع بها الكبار قبل الصغار.
عندما تريد أن تبحث عن شيء في الانترنيت فإن أول شيء تذهب إليه هو متصفح غوغل كروم الذي ينقلك مباشرة إلى محرك البحث غوغل، لكن قبل سنوات لم يكن الأمر يتم بهذه الطريقة، إذ كان يستوجب عليك الدخول لمتصفح كموزيلا فاير فوكس أو انترنيت إكسبلورر ثم بعد ذلك الدخول لغوغل، و الذي خطرت له فكرة إنشاء متصفح خاص بغوغل رجل هندي رأى النور وسط حي فقير بمدينة مدراس أو تشوناي بجنوب الهند، ثم تسلق سلم النجاح شيئا فشيئا حتى أصبح اليوم المدير التنفيذي لشركة غوغل، إنه ساندر بيتشاي الذي نشأ فقيرا فكل ما كانت تمتلكه أسرته هو شقة صغيرة مكونة من غرفتين، واصل دراسته حتى تم اختياره لإكمال دراسته في الولايات المتحدة، اشتغل في شركات كثيرة حتى انتهى به المطاف في غوغل و هناك سطع نجمه، و بفضل ابتكاره لمتصفح غوغل كروم ازداد محرك البحث غوغل شهرة، و أصبح المحرك الأكثر استعمالا في شبكة الانترنيت.
هناك عدد لا يحصى من قصص الناجحين في الحياة من مختلف المجالات لكن يجمعهم شيء واحد و هو أنهم لم يتوقفوا عند الفشل بل واصلوا المثابرة حتى بلغوا القمة، توماس أديسون لم يضئ مصباحه إلا بعد 1000 محاولة و هو يقول أنا لم افشل ببساطة وجدت 999 حلا لا يعمل.
فالفشل الفعلي يتحقق عندما تكف عن المحاولة.
منحنى النجاح
يتم استخدام المنحنيات في كل الميادين تقريبا في الرياضيات، الفيزياء، الجغرافيا و غيرها و لاشك أنك قد درست الكثير منها لكن هل تعرف شيئا عن منحنى النجاح أنه المنحنى الأكثر أهمية الذي لم يتم تدريسه.
لنأخذ على سبيل المثال منحنى تطور أرباح شركة تسلا للسيارات الكهربائية :
يشبهون هذا المنحنى بعصا الهوكي ، لقد ضلت أرباح الشركة لمدة 8 سنوات متوسطة ثم فجأة بدأت ترتفع بشكل مثير ، سوف تجد شكلا مماثلا بالنسبة لمنحنى تطور شركة غوغل أو فيسبوك ، ماكدونالدز ، مطاعم دجاج كنتاكي ….
و يجب أن تتوقع منحنى بهذا الشكل إذا كنت تريد تحقيق هدف في حياتك ، فأنت ستعمل بكد لفترة طويلة لكن النتائج الأولية التي ستحصدها في الغالب ستكون مخيبة للأمال ، و لطول هذه المرحلة أحيانا و لقلة الصبر يتوقف عدد كبير من الناس و يعلنون استسلامهم، و هكذا و بعد مدة طويلة من التعب و الأحلام الوردية التي لم تتحقق على أرض الواقع ينسحب الناس من معركة كانوا على وشك الانتصار فيها، فلم يكن يفصلهم إلا خطوات قليلة عن تحقيق النجاح المبهر الذي حققه الأشخاص الناجحون قبلهم، و لو أنهم صبروا قليلا و ثابروا لرؤوا ثمار عملهم ، فالأمر يشبه تماما أن يصيبك اليأس و الضجر بسبب عدم حدوث غليان للماء رغم أنك رفعت درجة حرارته ل 90 درجة ، فمجهودك لم يذهب سدى و لكنه سيثمر عند درجة حرارة 100 يقول أديسون في هذا الصدد :
كثير من الفاشلين في الحياة هم أشخاص لم يدركوا كم كانوا على مقربة من النجاح عندما اثروا الاستسلام
المثابر يتفوق على الذكي و الموهوب
من المؤكد أنك قد صادفت أشخاصا يتمتعون بموهبة عالية في شيء ما أو كانوا يمتلكون مستوى من الذكاء يحسدون عليه، و كانت كل التوقعات تشير إلى أنهم سوف يتربعون على عرش النجاح، لكنهم خيبوا كل الظنون، و في المقابل هناك أشخاص آخرين عاديين تشبثوا بهدفهم إلى أخر رمق هذه الصفة أي المثابرة هي التي قادتهم إلى تحقيق النجاح، و هي التي كان يفتقر إليها الأولون فهم قد ركنوا إلى موهبتهم و اعتقدوا أنها ستبقيهم في المقدمة.
بيد أن الموهبة ليست بالعملة النادرة بل هي منتشرة بين الناس عكس ما نظن، إحدى الدراسات خلصت إلى أن كل إنسان قادر على فعل شيء معين أفضل من 10 الآلاف شخص.
كما أن الذكاء أيضا شائع بدرجة كبيرة ، فحسب نظرية الذكاءات المتعددة فلكل شخص ذكاء في مجال أو تخصص معين ، و يكاد يكون من النادر أن تجد شخصا لا يمتلك و لو نوعا واحدا من أنواع الذكاء.
فإذا لم يثابر الذكي أو الموهوب من أجل تحقيق هدفه فلن تنفعه موهبته و لا ذكاؤه في شيء و في استطاعة من هو دونه ذكاء و موهبة أن يتفوق عليه بمثابرته.
كيف نتعلم المثابرة ؟
بعد كل فضائل المثابرة التي ذكرنا و القصص الملهمة لأناس ثابروا فنجحوا كيف يمكننا أن ننضم إلى قافلة المثابرين ؟ في الواقع الأمر في غاية البساطة، و لا يحتاج سوى لرغبة صادقة في النجاح.
أولا حدد هدفك بدقة فلا يمكنك أن تحقق هدفا غير واضح المعالم، تصور معي شخصا يريد أن يصبح رياضيا بارعا لكن دون أن يحدد أي رياضة يقصد بالضبط، في هذه الحالة سوف يضيع جهده في أنواع رياضية شتى و لن يحرز نصرا في الغالب، يقول مثل كوري : إذا أردت أن يكون لك بئر فاحفر في مكان واحد. ببساطة لا تجعل هدفك ضبابيا بل اجعله واضحا بحيث يمكنك أن تقيس درجة تقدمك فيه.
عندما تحدد هدفك لا تبدأ بخطوات صعبة معقدة، فدماغنا ينفر من كل ما هو جديد و يميل إلى ما هو مألوف و معتاد، نظرا لأنه لا يعلم نتائج الفعل الجديد و هل ينطوي على خطر أم لا لذلك هو يركن إلى العادات التي يعلم نتائجها مسبقا، يمكن أن تعتمد على هذه النقطة بالذات و ذلك بتبني إستراتيجية العادات الصغيرة أي مجرد مهام صغيرة بسيطة تؤديها باستمرار سوف تجعلك تمضي قدما في هدفك، فقشة بعد قشة يصنع العصفور عشه.
لا تهتم بالنتائج منذ الوهلة الأولى، فمما لا شك فيه أنه عندما تضع هدفا محددا فإنك تضع إلى جانبه مكافأة جذابة و هي التي تحفزك على تحقيقه، لكن من الوارد أن تتأخر المكافأة خاصة إذا كان هدفك بعيد المدى هنا قد تسقط في فخ الإحباط، لذلك استمتع بعملك الآن و اعلم أن كل يوم تتقدم فيه يقربك من النجاح.
الفشل متوقع في رحلة النجاح و ما هو إلا اختبار لمثابرتك و جديتك، و لولا الفشل لكان النجاح شيئا عديم القيمة، فلا يحزنك الفشل ما دمت تحاول الوقوف على قدميك من جديد فخسارة معركة سوف تعلمك كيف تكسب الحرب.