تغرق حياة الكثير من الناس في بحر من الرتابة، فالأمس عندهم مثل اليوم و اليوم مثل الغد، أصبحت حياتهم خالية من الإثارة و الشغف، و لم يعودوا ينتظرون شيئا جديدا بلهفة و السبب في ذلك أنهم ليس لديهم حلما يعيشون عليه، لم يعثروا على ذلك الشيء الذي يشعل جذوة الحماس فيهم، فتمضي حياتهم في أمور تافهة لا جدوى منها،فمن لم يجد حلما و يسعى إلى تحقيقه فلن يجد لنفسه مكانا بين العظماء و الناجحين، و سيحكم على نفسه بعيش حياة مليئة بالرتابة و الضياع و سيفتقد لذلك الشعور بالرضا التي يشعر بها من يقوم بشيء يحبه، اكتشف حلمك لتعيش حياة أفضل فإن الإنسان بلا حلم ذكرى إنسان.
لماذا ينبغي أن يكون لديك حلما؟
سواءا كان حلمك أن تصبح رياضيا مشهورا أو كاتبا فذا أو رائد أعمال أو مخترعا أو غير ذلك فإن سعيك لتحقيق ذلك الحلم هو الذي سيجعل حياتك مليئة بالحماس و الإثارة، فأنت تفعل كل يوم شيئا تحبه و بذلك فالسعادة تغمرك في كل خطوة تخطوها صوب هدفك، يزداد تقديرك لذاتك، و تشعر بالرضا عن نفسك، يقول فريد ألين الفزيائي الأمريكي:
أنت تعيش مرة واحدة لكن لو عشتها بشكل صحيح فمرة واحدة تكفي.
أن تسعى لتحقيق حلمك يعني أن التغيير سوف يطرق بابك لا محالة، و أن النجاح سيحالفك، فمن جد وجد و من سار على الدرب وصل، فلو تأملت في سير الناجحين فستجد أنهم جميعا يشتركون في أمر واحد و هو أنهم كانوا يفعلون ما يحبون، إذ يكاد يكون من المستحيل أن يحقق المرء نجاحا في شيء لا يعني له الكثير.
فالناجحون هم أشخاص وجدوا حلمهم و ما يثير شغفهم، فهم مستعدون لبذل الكثير من الجهد و إمضاء المزيد من الوقت لإنجاز أعمالهم بصورة أفضل من غيرهم.
فإذا ما كنت شغوفا بشيء فسوف تتفوق فيه و ستبدع فيه أكثر ممن لديه مجرد اهتمام عادي بذلك الشيء.
لقد خلقك الله تعالى و منحك قدرات كثيرة، فما عليك إلا أن تعثر على حلمك، أن تجد شغفك حتى تستغل تلك القدرات و تخرج للوجود شيئا جديدا، فلا شيء مستحيل فكل ما يستطيعه غيرك تستطيعه أنت.
فلو اكتشفنا ذواتنا فسوف نجد أن كل واحد منا قادر على أن يبدع في شيء أكثر من الآخرين، نحن لم يتم إنتاجنا في مصنع فنحن لا نمتلك الأحلام ذاتها بشكل متطابق، فإذا ما استطعت العثور على ذلك الشيء الذي تحبه حقا و الذي أنت على استعداد لبذل الكثير من الوقت و الجهد لتحقيقه فإنك بذلك تكون قد وضعت يدك على القوة التي ستغير حياتك و تقودك للنجاح الباهر.
فمثل الشخص الذي لا يملك حلما مثل سفينة عظيمة جهزت أفضل تجهيز من أجل أن تبحر في أعالي البحار و تجوب المحيطات الواسعة، لكن ربانها اكتفى بالإبحار في بحيرة صغيرة فلا أفق ممتد يشجعه و لا مرفأ يغري بالوصول إليه، فلا غرابة في أن يشعر من لا حلم له بالضجر و عدم الرضا و بأن حلقة ما مفقودة في حياته، و لو أن ربان تلك السفينة قادها للمحيط الذي صنعت من أجله لاستفاد كثيرا من إمكانياتها و اكتشف أشياء جديدة.
يقول توماس إديسون: لو فعلنا كل الأشياء التي نحن قادرون على فعلها لأذهلنا أنفسنا بكل معنى الكلمة.
ما الذي يمنع الناس من تحقيق احلامهم؟
بعض الناس محظوظين لأنهم وجدوا حلمهم في وقت مبكر و عرفوا الشيء الذي يحبون أن يفعلوه طوال حياتهم، أما الآخرون فإما لم يعثروا عليه بعد أو تركوه لأسباب عدة منها مثلا الأفكار المحبطة التي تلقونها من المحيطين بهم، فإنك إذا ما أحطت نفسك بأشخاص سلبيين فقد يفقدوك الحماس و يزعزعون إيمانك في حلمك، يقول خبير التنمية البشرية جيم رون: أنت ملخص الأشخاص الخمسة الذين تقضي معهم معظم وقتك.
فلا تعتقد أن آراء المحبطين لن تؤثر فيك، فعبارات مثل: أنصحك بعدم المحاولة، الأمر مستحيل، هل أنت مجنون…. سوف تؤثر فيك من حيث لا تدري، و السبب الذي يدفع البعض لقول مثل هذه الأقوال السامة المحبطة هو عدم رغبتهم أن يروا شخصا و قد حقق شيئا قيما في حياته لأن نجاحه يشعرهم بعجزهم.
فلكي تبقي على حلمك حيا لا تحط نفسك بأشخاص من هذه الطينة كما قال ألبرت اينشتاين: ابق بعيدا عن الناس السلبية فهم يمتلكون مشكلة لكل حل.
هناك من ترك حلمه بسبب فشل أصابه في محاولة سابقة فاعتقد أن فشله دليل على عجزه و على استحالة تحقيق الحلم، و الحقيقة أن الإنسان يتعلم من الخطأ أكثر مما يتعلم من الصواب، فإذا لم تفشل لن تنجح فقلما يطرق النجاح باب من يخاف من الفشل.
ادموند هيلاري هو أول شخص وصل إلى قمة جبل افرست، في محاولته الأولى فشل فقابل الجمهور و وراءه صورة لجبل افرست فقال: أيها الجبل لقد هزمتنا و لكني سأعود إليك و سوف أهزمك لأنك لا تستطيع أن تصبح أكبر من ذلك أما أنا فاستطيع.
بعض الناس ترك حلمه بعدما فضل العيش في القاع على أن يكون في القمة لأنه ظن أنه إذا عاش مغمورا بلا أحلام فسوف يكون حاله أفضل و يحيا حياة خالية من المشاكل، لكنه سرعان ما اكتشف حجم الخداع الذي تعرض له عندما وجد نفسه يحيا حياة بلا قيمة مليئة بالرتابة و بالمشاكل أيضا، علاوة على ذلك فقد حكم على نفسه بعدم تحقيق النجاح، يقال إذا رضيت بأقل مما تستحق فستحصل على أقل مما ارتضيته.
ثم هناك من ترك حلمه بسبب العجز و الكسل، فقد رأى أن الناس الذين يسعون لتحقيق حلمهم يقدمون تضحيات كثيرة، يعملون بجد و قد يتعرضون للفشل أيضا ففضل حياة الراحة و الدعة على كل هذه الأمور، لكنه بذلك قد فوت على نفسه السعادة و الإثارة التي يحياها من له حلم و يسعى لتحقيقه، و عادة ما يبرر تركه لحلمه كون هذا الأخير مستحيل و من العبث الجري وراء شيء مستحيل أو أن الظروف المحيطة لن تساعده و بذلك يقنع نفسه بأنه لا جدوى من المحاولة، يقول طاغور شاعر الهند: سأل الممكن المستحيل أين تقيم فأجابه في أحلام العاجز.
كيف تجد حلمك؟
اسأل نفسك فيما أنت موهوب ما الذي يثير شغفك ما الشيء الذي تحب أن تفعله طوال حياتك دون أن يصيبك كلل أو ملل، اتبع حدسك و أنصت إلى ذلك الصوت الداخلي الذي ينبع من أعماقك لتعرف ما الذي تحبه بالضبط، في عملية البحث عن حلمك لا يمكنك أن تعتمد على اقتراحات الآخرين لان الأحلام أمر شخصي فأنت وحدك الذي تعرف ماتريد بالضبط.
اكتب قائمة بالأشياء التي تثير شغفك، التي تقوم بها و أنت مستمتع بها بحيث تنسى خلالها مرور الوقت، فلا يستطيع الإنسان أن يستغرق وقتا طويلا في عمل لا يحبه.
جرب أشياء جديدة فقد يكمن حلمك في واحدة منها فلا بد من الفوضى لاكتشاف الذات، الكثير من الأشخاص الناجحين لم يكن لديهم أدنى فكرة عما يريدون أن يكونوا لكن ظلوا يجربون أشياء جديدة حتى وجدوا ضالتهم، فكلما زاد عدد الأشياء التي تجربها ازداد احتمال العثور على حلمك، فلا تبقى منتظرا حتى تأتي سفينتك بل إسبح إليها.
يحكي الرياضي الشهير في رياضة كمال الأجسام ارنولد شوارزنيجر رحلة بحثه عن شغفه، فقد كان مولعا بممارسة الرياضة من اجل ذلك جرب رياضات كثيرة، فمارس الجري و الملاكمة و انخرط في نادي لكرة القدم لكن مستواه في كل هذه الألعاب الرياضية كان متواضعا، و لو اكتفى بها لما سطع نجمه، ذات مرة طلب فريق كرة القدم من لاعبيه زيارة صالة رفع الأثقال و في تلك اللحظة اغرم ارنولد بتلك الرياضة و وجد ضالته، يقول: وجدت الشيء الذي أريده الشيء الذي أريد أن أكرس له كل طاقتي، لم يعد هناك شيء يوقفني.
الآن بعد أن وجدت حلمك ما الذي يجب عليك أن تفعله بكل بساطة اعمل على تحقيقه، من الأفضل أن تتطلع إلى تجارب الآخرين الذين كان لهم حلم مثل حلمك لترى كيف استطاعوا تحقيقه، و ما الدرب الذي سلكوه حتى أحرزوا النجاح، يقول الروائي البرازيلي باولو كويلهو:
مهما رأيت نفسك فريدا فهنالك أحد ما حقق الحلم نفسه من قبلك و ترك علامات يمكنها أن تسهل عليك المهمة صحيح أن هذا طريقك و تلك مسؤوليتك و لكن لا تنسى أن تجربة الآخرين نافعة جدا.
اطلب حلمك باعتدال
ما الذي يمكننا أن نفهمه من عبارة اعمل جاهدا من أجل تحقيق حلمك هل يعني ذلك أن تضحي بكل شيء من اجله ؟ هل يعني أن تهجر عائلتك و أصدقائك و تهيم على وجهك في سبيل أن تعيش حلمك ؟ في الحقيقة الأمر ليس كذلك على الإطلاق.
اليزابيت غيلبرت روائية أمريكية شهيرة كانت تدعو الناس في كتاباتها و في ندواتها إلى ترك كل شيء و إتباع حلمهم و شغفهم ، و ألفت رواية بعنوان طعام ، صلاة، حب تحكي فيها عن قصة امرأة أمريكية قررت فجأة أن تترك حياتها المستقرة مع زوجها لتذهب في رحلة البحث عن حلمها فحطت بها الرحال في ايطاليا حيث تعلمت الطبخ ثم انتقلت إلى الهند ثم إلى جزيرة بالي ، و لقد كانت الكاتبة الأمريكية تحاول من خلال هذه الرواية تمرير رسالة مفادها انه يجب عليك أن تترك كل شيء وراء ظهرك و أن تجري وراء حلمك لتحقق السعادة الحقيقية مهما ترتب عن ذلك من نتائج ، و هذه الفكرة كما تتضح بعيدة عن الصواب فعندما تبحث عن حلمك و تعمل على تحقيقه فهذا لا يعني أن تتفرغ له بالكامل و تترك عملك و أسرتك بل فقط أن تخصص له جزءا من وقتك، فلو تأملت في حياة الأشخاص الناجحين الذين حققوا حلمهم فستجدهم أنهم كانوا يعيشون حياة طبيعية كسائر الناس و الكثير منهم كان يعمل في مهن لا تمت بصلة لحلمهم و شغفهم، فجورج برنارد شو الكاتب الانجليزي الشهير كان يعمل في شركة للهاتف و ليوناردو دافنشي صاحب لوحة الموناليزا كان يعمل في معمل لصناعة الآلات الحربية، و إسحاق نيوتن عمل مزارع مدة طويلة و أغاثا كريستي عملت ممرضة ثم مساعدة صيدلانية، و إبراهيم الفقي رائد التنمية البشرية كان يعمل في مجال الفندقة و مشاهير آخرون في عالم الرياضة يعملون حاليا في شركات أو إدارات لا علاقة لها بالنشاط الذي يحبونه.
فان تعمل من اجل تحقيق حلمك يعني أن تخصص له وقتا من يومك فهناك وقت لكل شيء إذا أحسنا تنظيمه، يقال إذا قضيت ساعة إضافية في كل يوم لدراسة مجال معين فستتحول إلى خبير في ذلك المجال خلال خمس سنوات أو اقل.
المصادر
جون سي ماكسويل. اختبر حلمك. مكتبة جرير 2011
خلود بادحمان. اكتشف شغفك. كلمات للنشر و التوزيع.