روسيا أكبر دولة في العالم، و من شدة شساعتها أنها تعادل تقريبا ضعف مساحة كندا التي هي ثاني أكبر دولة في العالم، و لو أنك سافرت على متن القطار من موسكو في الغرب إلى أقصى مدينة في الشرق على بحر اليابان فستستغرق الرحلة 7 أيام كاملة، و هذه أطول مسافة يقطعها القطار في العالم، و في الوقت الذي تشرق فيه الشمس على مدينة في الغرب و يستعد سكانها لاستقبال يوم جديد فإن أناس آخرون في أقصى الشرق قد ودعوا يومهم و يستعدون للنوم، كيف استطاعت روسيا كسب كل هذه الأراضي الشاسعة؟ هذا ما سنحاول معرفته في هذه المقالة.
مساحة روسيا
مساحة روسيا تمثل % 12 من مساحة كل اليابسة، فالروس الذين يبلغ تعدادهم 143 مليون نسمة يمتلكون ثمن مساحة الأرض و ما تبقى من سكان العالم البالغين أكثر من 7 مليار لهم الباقي، و داخل تلك المساحة المترامية الأطراف توجد بيئات متعددة، فهناك المروج و الغابات و السهول الصالحة للزراعة، و جليد القطب الشمالي و الصحاري، الجدير بالذكر أن روسيا كانت أكبر مما هي عليه اليوم لولا أنها باعت منطقة ألاسكا لأمريكا مقابل مبلغ 7.2 مليون دولار في القرن التاسع عشر.
و كنتيجة لامتلاكها كل هذه المساحة فإن لروسيا حدودا مع دول كثيرة، ففي حين توجد مدنها الواقعة غربا على الحدود مع فلندا و اكرانيا، فإن مدنا أخرى أقصى الشرق توجد على الحدود مع اليابان و الصين.
تنوع ثقافي مذهل
بحكم أن روسيا تمتد على قارتين أسيا و أوروبا فإنها تشكل موطنا لثقافات متنوعة جدا، انظر إلى الصور التي في الأسفل لترى الاختلاف الكبير الذي عليه الشعب الروسي.
تاريخ التوسع الروسي
لنعرف كيف استطاعت روسيا أن تكسب كل هذه المساحة لابد أن نعيد عجلة الزمن إلى الوراء، و تحديدا إلى القرن الثالث عشر و نلقي نظرة على روسيا أن ذاك.
في تلك الفترة كان يحكم الجزء الأوروبي من روسيا إمارات صغيرة، من بينها إمارة أو دوقية موسكو، كانت هذه الإمارات تخوض صراعا طويلا فيما بينها، و تسعى كل واحدة منها لتخضع الإمارات الأخرى، فجعلهم هذا الصراع لقمة سائغة لأي قوة غازية.
و هذا ما حدث بالفعل ففي تلك الفترة سطع نجم دولة قوية كانت تتوسع بشكل مذهل، و تطيح بالإمبراطوريات الواحدة تلو الأخرى، إنهم المغول.
المغول كانوا في الأصل عبارة عن قبائل تعيش على الرعي و التنقل في صحراء شمال الصين، فلما توحدوا على يد جنكيز خان أخذوا يتوسعون على حساب الدول المجاورة حتى استطاعوا تكوين ثاني أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ بعد الإمبراطورية البريطانية.
و بعدما ملكوا الصين و وسط أسيا و جزءا من البلاد الإسلامية في الشرق الأوسط وصل المغول إلى الإمارات الروسية التي كانت منشغلة في محاربة بعضها البعض، فدمر المغول مدن تلك الإمارات، و يروى من فظاعة ما فعله المغول في بعض المدن أنه لم تبقى عين لتبكي الموتى.
بعد هذا الاجتياح أصبحت كل الإمارات الروسية تابعة للمغول، بيد أن المغول تركوا الحكم الفعلي في يد الأمراء الروس ليسيروا شؤونهم بأنفسهم مقابل أن يقدموا فروض الولاء و الطاعة لهم، و يؤذوا الضرائب و يحاربون في صفوفهم إذا اقتضى الأمر.
كلف المغول إمارة موسكو بجمع الضرائب من باقي الإمارات الروسية ، ثم حدت أن بدأت إمبراطورية المغول تتفكك إلى كيانات اصغر تسمى الخانات و أصبحت الإمارات الروسية تحت سيطرة خانية القبيلة الذهبية المغولية، و كان دينها الرسمي هوالإسلام.و أصبحت الضرائب تجبى لصالحها.
بفضل هذه المهمة التي وكلت لها كسبت إمارة موسكو المزيد من ثقة المغول، فسادها الأمن و الأمان و أخذ اقتصادها يزدهر و قوتها تزداد يوما بعد يوم.
و مع مرور الزمن حصل لخانية القبيلة الذهبية ما كان حاصلا للإمارات الروسية من قبل، فقد بدأت تتفكك إلى خانات صغيرة شغلها الشاغل هو محاربة بعضها البعض، و لم تضيع إمارة موسكو التي أصبحت قوية بما يكفي هذه الفرصة الثمينة، فبسطت نفوذها على كل الإمارات الروسية الأخرى، ثم امتنعت عن أداء الضرائب، و في النهاية قامت بغزو الخانات في بداية القرن السادس عشر و هزمتهم على يد ايفان الثالث، لتنهي 250 سنة من الحكم المغولي، لقد شكل ذلك أولى بدايات التوسع الروسي.
استيطان سيبيريا
إلى الشرق من جبال الاورال التي تعد الحد الفاصل بين الجزء الأوروبي و الأسيوي من روسيا توجد سيبيريا، و هي عبارة عن أرض شاسعة المساحة تغطيها غابات الطايغا و نباتات التندرا و تخترقها أنهار كثيرة، و كانت إلى حدود القرن السادس عشر تحت حكم خانية سيبير، و هي خانية تكونت هي الأخرى بعد انفصالها عن الإمبراطورية المغولية و ظلت تحكم هذا الجزء من العالم لثلاثة قرون و كان دينها الرسمي هو الإسلام.
في تلك الفترة أي القرن 16 و 17 كانت تجارة الفراء رائجة جدا، فالفراء كان مطلوبا في أوروبا حيث كانت تصنع منه المعاطف و القبعات، ظلت روسيا هي المصدر الرئيسي لهذه السلعة التي يتم الحصول عليها من صيد حيوانات ذات الفراء كالثعلب الروسي و حيوان السمور، لقد جعلت هذه التجارة من دوقية موسكو الكبرى على درجة كبيرة من الغنى و الازدهار.
بيد أن هذه الحيوانات بدأت تقل بسبب الإفراط في صيدها، في حين ظل الطلب على الفراء في تزايد، فأخذ الصيادون و التجار يتجهون صوب الشرق، إلى خانية سيبير حيث تعيش أعداد هائلة من هذه الحيوانات، ثم تبين للروس فيما بعد أنه من الضروري إدخال هذه الأرض الشاسعة الغنية في حوزتهم، فغزا الروس خانية سيبير و استعمروها، و كانت مهمة الغزو سهلة عموما نظرا لأن خانية سيبير كانت قليلة السكان و في أسوء أحوالها، فلم تستطع وقف الزحف الروسي، و هكذا أصبحت سيبيريا الشاسعة المساحة جزءا من الإمبراطورية الروسية التي أضحت حدودها تمتد شرقا إلى المحيط الهادي.
و بحكم أنه لم يكن يوجد كيان سياسي قوي في شمال الكرة الأرضية يمكنه أن يقف في وجه الروس فقد واصلوا زحفهم إلى ما وراء المحيط الهادي، أي إلى أمريكا الشمالية فاستعمروا ألاسكا، و أضحت هي أيضا بمساحتها الهائلة جزءا من إمبراطوريتهم، و في الجنوب الشرقي كان الروس ينون ضم إقليم منشوريا التابع للصين أن ذاك بيد أن الأمر لم يكن سهلا هذه المرة نظرا لكون الصين كانت تعتبر إمبراطورية قوية فتخلت روسيا عن مطالبها، و وقع كلا الطرفين معاهدة سلام.
و ما زال في القصة بقية فصدق أو لا تصدق أن روسيا كانت تنوي إلحاق ولاية كاليفورنيا و دولة المكسيك إليها. لولا أن المأمورية كانت صعبة للغاية بحيث ستضع روسيا في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
مشاكل مساحة روسيا الكبيرة
تخلق مساحة روسيا الكبيرة تحديات كثيرة. منها مثلا صعوبة الاتصال بين المناطق المتباعدة. فالسكة الحديدية تستغرق وقتا طويلا. و الطرق البرية ليست صالحة على الدوام نظرا لقساوة فصل الشتاء و تراكم الثلوج في سيبيريا لأطول مدة من السنة. و في الصيف يكون استخدام هذه الطرق صعبا أيضا بسبب ذوبان الثلوج و تحول التربة الى وحل.
أيضا من بين التحديات التي يخلقها الحجم الكبير لروسيا هو مشاركة حدودها مع 16 دولة. و ما يستلزم ذلك من مراقبة متواصلة لهذه الحدود.
من أجل مواجهة هذه المشاكل فإن روسيا تضم عددا من المناطق ذات الحكم الذاتي تسير شؤونها بنفسها، هناك تقريبا 21 جمهورية أشبه ما تكون بدول ذات سيادة، لها دستورها الخاص، و نشيدها الوطني و لها الحق في عقد تفاقيات مع دول أجنبية.
المصادر