وصف بأنه أضخم حفل سجله التاريخ، حضره أباطرة و ملوك و زعماء من مختلف أنحاء العالم، تفرغت له مملكة بكاملها، و أشرف عليه خبراء عالميون كل في مجاله، و ما جعله مميزا حقا أنه لم يقم في قصر أو فندق بل وسط الصحراء، و لمدة ثلاثة أيام شد هذا الحفل المهيب أنظار سكان العالم قاطبة، ليروا بأم اعينهم غنى و ثروة هذا البلد و ملكها الذي سمى نفسه ملك الملوك شاهنشاه، أنه محمد رضا بهلوي اخر ملوك ايران و الذي كان هذا الحفل الاسطوري الايراني أحد اسباب زوال حكمه.
نبذة عن محمد رضا بهلوي
محمد رضا بهلوي هو أخر ملوك ايران، تولى العرش سنة 1941، و تركه سنة 1979 بعد قيام الثورة الاسلامية و كان يعتبر من بين أغنى الشخصيات في العالم، حكم البلاد بالحديد و النار بحيث كانت له السلطة المطلقة على كل أجهزة الدولة، يعين من الوزراء من يشاء و يعزل من يشاء، و حافظ على عرشه بالقمع و الاستبداد.
و على شاكلة محمد اتاتورك مؤسس تركيا الحديثة كان بهلوي منبهرا بالحضارة الغربية نظرا لإقامته مدة طويلة بسويسرا في فترة الدراسة، و أعرب في أكثر من مرة أنه يرغب في جعل ايران دولة حديثة على غرار الدول الأوروبية، بيد أن الواقع كان يكذب كلامه، فرغم أن ايران دولة غنية بالنفط فقد كان نصف سكانها يعيشون تحت خط الفقر، كما كانت الخدمات الصحية فيها متدنية جدا، و نسبة الامية مرتفعة لكن بهلوي لم يكن منشغلا بذلك، فقد أراد أن يظهر للعالم صورة براقة عن ايران رغم أنها لا تمت لواقع البلاد بصلة، و المناسبة كانت مرور 2500 سنة عن قيام الامبراطورية الفارسية، فعزم على اقامة حفل اسطوري يشهده ملوك و رؤساء العالم، و أراده أن يكون أفخم حفل يسجله التاريخ.
الحفل الاسطوري الايراني استعدادات
لم تكن ايران تمتلك في تلك الفترة بنية تحتية في استطاعتها استضافة حفل من هذا الحجم، فلم تكن هناك فنادق فاخرة تصلح لاستقبال كبار شخصيات العالم، لذلك و بعد بحث عميق وقع اختيار الشاه على مدينة برسيبوليس التاريخية، تقع مدينة بيرسيبوليس وسط الصحراء، و كانت تشكل عاصمة الامبراطورية الفارسية لكنها تحولت فيما بعد إلى أنقاض لا تصلح حتى للسكن فكيف ستستضيف حفلا كالذي يحلم به الشاه؟
لقد كانت الفكرة تقتضي أن يتم انشاء خيام كبيرة ليقيم فيها المدعوون، و لأن الشاه كان معجبا غاية الاعجاب بالثقافة الاوروبية فقد أسند انشاء الخيم الى شركة فرنسية رائدة في هذا المجال هي منزل جونسون بباريس، فتم نصب 50 خيمة كبيرة مكيفة و على أفخم طراز، و جهزت بأنفس الاثاث.
بيد أن وجود خيم الفخمة وسط صحراء مقفرة لم يكن يروق للشاه لذلك أمر بتحويل المساحات التي تحيط بالموقع الى حدائق غناء، من اجل ذلك تم جلب 15000 شجرة من ايران و من خارجها و خصصت كميات كبيرة من المياه لريها، لقد كان أمرا جنونيا حقا أن تهدر أنهار من المياه من أجل إحياء مدينة سوف تعيش لمدة ثلاثة أيام فقط و في دولة تعاني نقصا في المياه.
لم يتوقف الامر عند هذا الحد، فلكي تبدو الحدائق في أبهى حلة تم جلب الطيور من أوروبا خاصة، و معظمها نفق بعد نهاية الحفل بسبب اختلاف المناخ.
أصبح الموقع في النهاية تحفة للأنظار، خيم فاخرة عن يمينها و شمالها حدائق غناء، لكن برزت مشكلة اخرى و هي أن الصحراء موطن للأفاعي و العقارب، و هذه الحيوانات قد تشكل مصدر هلع للحاضرين، لذلك تم رش مساحات شاسعة حول الموقع بالمبيدات الكيماوية للقضاء عليها.
اطعمة فاخرة
من أجل إقامة ولائم تليق بهذا الحفل الاسطوري الايراني فقد اعتمد الشاه على شركة فرنسية هي ماكسيمز التي كانت تحضر أفخر الأطعمة في العالم، و قد أقفلت هذه الشركة أبواب مطاعمها في باريس لمدة أسبوعين كاملين بعدما انتقل معظم طاقمها إلى بيرسيبوليس استعدادا لليوم الموعود.
لقد كلف الامر جلب كميات هائلة من الطعام قدرت كالتالي 2700 كيلوغرام من لحم البقر، 1280 كيلوغرام من لحم الطير، ربع مليون بيضة و مواد غذائية أخرى، و من أجل تسهيل نقل هذه الحمولة من الطعام للموقع فقد تم بناء مطار في مدينة شيراز التي تبعد ب 50 كيلومتر فقط، اضافة إلى طريق سريع.
الدعاية لهذا الحفل الاسطوري الايراني
انفق الشاه أموالا كثيرة من أجل الترويج لهذا الحفل العظيم حتى أنه ظهر في إشهارات قنوات تلفزيونية عالمية، و في الصحف اليومية لعدد من الدول، كما نشرت كتب كثيرة عن ايران، و لقد نجح الأمر لحد بعيد بحيث أن الملايين حول العالم كانوا يتابعون تقدم العمل بشكل يومي، و أصبح الحفل مادة دسمة للصحافيين و الكتاب.
رافق الحفل كذلك استعدادا أمنيا كبيرا لم تشهده ايران طوال تاريخها لدرجة أنه لم يكن يسمح لشخص بمغادرة أو دخول البلاد، كما كانت الشرطة تعتقل أي شخص مشتبه فيه، و في الموقع الذي سيشهد الحفل كانت هناك نقاط تفتيش كثيرة، و كان الخدم يفتشون بشكل دقيق للغاية، و أكثر ما كان يخافه الشاه هو أن يقوم أحد الخدم بدس السم في الاكل مثلا، و حتى لا يحدث شيء من هذا القبيل فقد استدعى الشاه طاقم خدم من سويسرا.
بداية الحفل
14 اكتوبر 1971 اتجهت انظار العالم قاطبة الى ايران لمتابعة تفاصيل هذا الحفل الاسطوري الذي يقيمه شاه محمد رضا بهلوي بمناسبة مرور 2500 سنة عن تأسيس الامبراطورية الفارسية، شهد اليوم الاول حضور أبرز الشخصيات السياسية، اباطرة و ملوك و رؤساء من مختلف دول العالم، و قد عبر الجميع عن انبهاره بجمالية الموقع و دقة إنشائه، و في الليل كان الضيوف على موعد مع مأدبة ضخمة أعدت لها اشهى الاطباق و افخرها.
لقد كانت مأدبة اسطورية و استثنائية كما أرادها الشاه، فقد تكون تلك المرة الاولى و الاخيرة التي تجتمع في مائدة حفل واحدة شخصيات من جنسيات و مذاهب و اديان مختلفة، فرؤساء و قادة دول اشتراكية يجلسون جنبا الى جنب مع اخرون من دول رأسمالية، و ممثلي دول متقدمة يشاركون الطعام مع اخرون من دول نامية أو فقيرة.
اليوم الثاني شهد استعراضا ضخما تم في ساحة اعدت خصيصا لذلك، حيث قامت فرق عسكرية بإعادة تمثيل جيوش ايران على مر العصور، لقد تطلب ذلك بحثا دقيقا من طرف مؤرخين عالمين لتحديد ملابس الجيوش في كل فترة من الزمن، و في الليل دعا الشاه ضيوفه للقيام بجولة في اطلال بيرسيبوليس التاريخية، بعد ان تم تزيينها بالأضواء الساطعة و المشاعل و تحت انغام الموسيقى تقليدية الفارسية فأضفى ذلك سحرا خاصا على المكان، ثم اختتم اليوم بحفل للألعاب النارية.
و في اليوم الثالث غادر المدعوون ايران و بذلك اسدل الستار على هذا الحفل الاسطوري.
لقد كان حفلا ناجحا بكل المقاييس بحيث عبر كبار شخصيات العالم انذاك عن انبهارهم و اعجابهم به و انهالت عبارات الشكر و الامتنان على شاه ايران صاحب هذه الفكرة.
تداعيات الحفل الاسطوري الايراني
و فيما عبر سكان العالم عن إعجابهم بالحفل و بما حققته ايران من ازدهار فإن الشعب الايراني لم يزدد إلا سخطا على رضا بهلوي، حيث رأوا في ذلك الحفل اهدارا للمال العام، و بسبب كثرة الانتقادات التي طالته فقد اضطر الشاه لتقديم اعتذار رسمي لشعبه، و طلب منهم الغفران، و لكن الاوان قد فات إذ لم تمضي إلا بضع سنوات حتى اندلعت الثورة الايرانية سنة 1979 لتطيح بحكم رضا بهلوي و تنهي الملكية في ايران، رحل الشاه الى مصر و توفي بعد عام فيما تحولت ايران إلى جمهورية اسلامية تحت قيادة أيت الله الخميني.
الغريب في الامر أن هذا الحفل الاسطوري كان أيضا من أسباب الاطاحة بملك اثيوبيا هيلا سيلاسي، فقد ظهر هذا الاخير في الحفل بملابس فاخرة اثارت موجة من الانتقاد و السخط لدى الشعب الاثيوبي الذي كان بدوره يعيش في فقر مدقع، كما أنه لم تمضي إلا سنة و نصف عن هذا الحفل الذي حضره قسطنطين الثاني ملك اليونان حتى حصل انقلاب أنهى الملكية في اليونان أيضا.