أكلت يوم أكل الثور الأبيض مثل يضرب لتبيان أضرار التفرقة، فالناس أقوياء مازالوا متحدين فإن هم اختلفوا صاروا لقمة سائغة لأعدائهم، و قد قيل إذا اتحد أفراد القطيع نام الأسد جائعا.
قصة أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
يحكى أنه كان يعيش في غابة ثلاثة ثيران مختلفة الألوان، أبيض و أسود و أحمر يرتعون من خيرات الغابة في أمن و أمان، و لقد كانوا باتحادهم و اجتماعهم على كلمة واحدة يبثون الرعب في كل مفترس يريد النيل منهم.
ذات مرة جاء الأسد إلى تلك الغابة و قد أكل الجوع من لحمه و شحمه، فأبصر تلك الثيران الثلاتة بضخامتها، فأشرقت أساريره و قال:
– لقد حصلت على أكثر مما تمنيت سوف تكون بالتأكيد وجبة دسمة.
و بعد ما مكث ساعات يتربص بهم انقطع حبل رجاءه، إذ رأى أن تلك الثيران لا يبرح الواحد منهم الاخر فكانوا أشبه ما يكون بالجسد الواحد، فاحتار في أمرهم و لم تنفع معهم كل أساليب صيده.
ثم فكر في طريقة لفك عرى ذلك الاتحاد، و فيما كان الثور الأبيض نائما دنا هو من الثورين الأحمر و الأسود و قال لهما:
– أنتما أيها الثوران ما أقواكما، إن مظهركم كفيل ببث الرعب في أعدائكم مهما بلغوا من القوة ، و لكني أرى شيئا يهدد أمنكم و قد يكون سببا في هلاككم.
فتعجب الثوران و قالا: ماهو؟
قال الأسد:
– إنه الثور الأبيض، إنه بلونه المميز عنكم يجلب لكم أنظار أعدائكم أينما كانوا، و إني أخاف عليكم يوما تجدون أنفسكم فيه بين يدي البشر بعد أن يدلهم لون صديقكم على وجودكم.
فأثر كلام الاسد في الثورين و ظنا فيه الصواب، لكنهما ظلا صامتين فقال الأسد:
– إني انذرتكم و لقد أعذر من أنذر، دعوني أخلصكم من هذا الثور لتعيشا في أمن و أمان.
هكذا نجحت خطة الأسد و ترك الثوران صديقهم الأبيض ليواجه مصيره المحتوم.
مرت الأيام تلو الأيام ثم عاد الأسد مرة أخرى إلى الغابة و هو يتضور جوعا، و هذه المرة لم يكلف نفسه عناء البحث عن فريسة، فرأى الثورين و هما يرتعان من نباتات الغابة، فدنا من الثور الأحمر ثم قال له:
– انظر يا صاحبي ألا ترى كيف أن نباتات الغابة صارت قليلة، فإلى متى ستظل تقتسم طعامك مع هذا الثور الأسود
أعجب الثور الأحمر بالفكرة و قال في نفسه لقد صدق الأسد، فلو لم يكن هذا الثور الأسود بجانبي لكانت كل خيرات الغابة لي وحدي.
قال الأسد: أن تأكل رغيفا كاملا لوحدك خير من أن تقتسمه على اتنين، فدعني أخلصك من هذا الثور و ليصبح كل ما في الغابة من طعام لك وحدك لا ينافسك فيه منافس.
رحب الثور الأحمر بالفكرة و ترك الأسد لينقض على صديقه، و انتهى أمره في بطن ملك الغابة.
ثم جاء الأسد مرة أخرى بعدما تحقق له مراده في تشتيت الشمل، و فيما الثور الأسود يرعى انقض عليه الاسد فلما علم أنه هالك لا محالة قال:
– حقا لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
نعم فبمجرد أن سمح الثوران للأسد بأكل الثور الأبيض فقد وضعا نفسيهما في القائمة.
عبر من هذه القصة
لقد قيل كل قوة ضعيفة ما لم تكن موحدة فأيما مجتمع كان أفراده متحدين متألفين فلن يستطيع العدو النيل منهم مهما بلغت قوته، لكن إذا ما اختلت صفوفهم و تفرقت كلمتهم فسيأول أمرهم الى زوال، فالبيت المتصدع يوشك أن ينهار.
قال الشاعر المهلب بن ابي صفرة:
تأبى الرماح إذا اجتمعت تكسرا.
فإذا افترقت تكسرت أحادا.
و قد نبذ الاسلام التفرقة في مواطن كثيرة من القران الكريم و السنة النبوية، قال الرسول صلى الله عليه و سلم:
المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا و شبك بين أصابعه.