منارة علمية و دينية نشرت نورها في كل أنحاء العالم الإسلامي، حارس العقيدة السمحة التي جاء بها خاتم المرسلين، و رابع المساجد الإسلامية شهرة و مكانة بعد المسجد الحرام و الأقصى و المسجد النبوي، إنه الأزهر الشريف، الجامع و الجامعة، مشعل العلم الذي يضيء و لا يخبو، من أروقته تخرج كبار علماء المسلمين، و إليه يعود الفضل فيما عرفت به مصر منذ القدم بكونها مركزا للعلم و المعرفة، بعمره الذي يصل ل 10 قرون لا يزال اسمه جاريا على كل لسان.
مكانة الأزهر في العالم الإسلامي
مما لا شك فيه صيت الأزهر قد داع في كل أنحاء العالم الإسلامي، من أقصى الفلبين إلى المحيط الأطلسي و قلب إفريقيا، و رغم وجود جامعات أخرى ضاربة في القدم في العالم الإسلامي، كالزيتونة في تونس و القرويين في المغرب، إلا أن الأزهر يمتاز عنها بعظم تأثيره في التاريخ الإسلامي، فمنذ قرون عديدة خلت ووفود الطلبة تأتي إليه فينهلون من بحر العلم و المعرفة بين أروقته، ثم يعودون لبلدانهم علماء و مشايخ ليعلموا الناس أمور دينهم، فحيثما نزلت بالعالم الإسلامي فستجد علماء درسوا في الأزهر، كرئيس جمهورية الجزائر هواري بومدين، العالم الصيني محمد ماكين الذي ترجم القران الكريم للغة الصينية، و من الشخصيات المصرية نجد مصطفى لطفي المنفلوطي، رفاعة رافع الطهطاوي، احمد أمين و غيرهم كثيرون.
من بنى الأزهر ؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال، لابأس أن نلقي نظرة سريعة على تاريخ مصر الإسلامي، فقد فتح القائد العسكري عمرو بن العاص مصر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأضحت بذلك جزءا من العالم الإسلامي، في بداية القرن العاشر قامت الدولة الفاطمية في المغرب متخذة من المذهب الشيعي مذهبا رسميا لها، و أخذت تتوسع شيئا فشيئا حتى استطاعت فتح مصر بقيادة القائد جوهر الصقلي في أواخر القرن العاشر ميلادي، و بذلك أصبحت مصر منذ ذلك الحين تحت حكم الفاطميين.
كان المذهب الشيعي هو مذهب الدولة الفاطمية، لذلك سعى القائد جوهر الصقلي إلى بناء مركز علمي لنشر هذا المذهب، و صرف الناس في مصر عن المذهب السني ، الذي كانوا عليه في الأصل، من اجل ذلك بنى جامعا في مدينة القاهرة سماه الأزهر ، نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه و سلم. و كانت مدة بنائه عامين.
من مركز للتشيع الى منارة للسنة
بيد انه كتب لمصر أن تعود مجددا لأحضان المذهب السني بعد زوال الفاطميين، و دخول عهد الدولة الأيوبية، و رغم أن ملكهم صلاح الدين الأيوبي كان شديد الحماسة لإعادة إحياء المذهب السني في مصر، إلا أن الأزهر لم يحظى بالكثير من اهتماماه، إذ كان يمثل بالنسبة له رمزا للمذهب الشيعي، فظل الأزهر معطلا لمائة سنة لا تقام فيه خطبة جمعة و لا حلقات علم.
بعد مئة عام من الإهمال، عاد الأزهر لينفض عنه الغبار مجددا في عهد المماليك، و هم الذين حكموا مصر بعد انتهاء الأيوبيين و استمروا حتى مجيء العثمانيين لمصر، اهتم المماليك بالعلم و المعرفة فأعادوا للأزهر بريقه، عادت خطب الجمعة لتقام فيه، و بدأ طلاب العالم يتقاطرون عليه من كل أنحاء العالم الإسلامي ليدرسوا العلوم الشرعية.
و حري بنا أن نتساءل كيف عادت مصر إلى المذهب السني بسرعة؟ لماذا نسبة الشيعة في مصر إلى الآن قليلة جدا رغم كل جهود الفاطميين لجعل مصر مركزا للتشيع ، و ذلك من خلال بنائهم للأزهر نفسه؟ السبب في ذلك هو أن عامة الناس ظلوا متمسكين بالمذهب السني ، رغم كل محاولات فرض المذهب الشيعي عليهم، و لم يتبنى هذا المذهب إلا قلة من الناس التي كانت تعمل في أجهزة الدولة، و بذلك يمكن القول أن البذرة الشيعية لم تجد أرضا خصبة في مصر.
توسع جامع الأزهر الشريف
عندما بنى جوهر الصقلي جامع الأزهر، بالكاد كانت مساحته تقارب نصف مساحته اليوم، فعلى مدار العشر قرون التي خلت إنضافت إليه منشئات جديدة، منارات، أروقة، حتى أضحى اليوم أشبه ما يكون بمدينة قائمة بذاتها، و الأروقة في الأزهر هي بمثابة أحياء جامعية تسمى حسب جنسيات طلابها، فهناك رواق المغاربة الخاص بالطلاب القادمين من المغرب و الجزائر و تونس و ليبيا، رواق الهنود، رواق الأكراد و غيرهم، في الماضي لم تكن طريقة التدريس تعتمد على المقررات الدراسية كما هو اليوم، بل كان كل شيخ يدرس كتابا معينا و للطالب الحرية في اختيار الموضوع الذي يناسبه، و عندما يشعر بأنه أصبح متمكنا مما درس يتقدم لامتحان شفوي أمام لجنة تضم كبار علماء الأزهر.
كيف تحول الازهر الى جامعة ؟
شكلت سنة 1961 منعطفا تاريخيا هاما بالنسبة للأزهر، حيث صدر قانون يقضي بتحويل الأزهر إلى جامعة تدرس فيها العلوم الحديثة، إلى جانب علوم الدين و اللغة العربية.
لقد ظل الأزهر الحصن الحصين للغة العربية و للثقافة الإسلامية و تكسرت على ضفته كل تيارات التطرف الديني و التعصب المذهبي و ظل ملتزما بسياسة الوسطية و احترام كل الأديان بعيدا عن كل أشكال التعصب.
كما أن تاريخ مصر مرتبط ارتباطا عجيب بتاريخ الأزهر ، إذ لا يكاد يوجد حدث مهم في تاريخ مصر إلا و تجد للأزهر مساهمة فيه ، سواء تعلق الأمر بمقاومة الاستعمار أو الثورات التي حصلت في مصر ، فكيفما كان الحدث إلا و تجد الأزهر يسايره و يتفاعل معه.
و سيبقى جامع الأزهر منارة للعلم و المعرفة ، و مفخرة مصر، فلطالما كانت كلمة مصري في مختلف أنحاء العالم الإسلامي مرادفة لأزهري، و سيظل ايضا أروع منشئات القاهرة، المدينة التي قال عنها ابن خلدون من لم يرى القاهرة لم يرى عز الإسلام.
المصادر
د محمد عبد المنعم خفاجي . د علي علي صبح . الازهر في الف عام . المكتبة الازهرية للثرات. 2011
محمد البهي . الازهر تاريخه و تطوره . وزارة الاوقاف و شؤون الازهر . 1964