رغم أن اليابان دولة عصرية. إلا أن اليابانيين ما يزالون مرتبطين بثقافة أجدادهم في أدق تفاصيل حياتهم، و من بين أروع ما يقدمه لنا هذا الشعب كأسلوب حياة: البساطة. لقد تناقل اليابانيون هذا النمط من الحياة جيلا بعد جيل. لأنهم توصلوا إلى حقيقة مفادها أن السعادة تكمن في البساطة. و ليس في التعقيد.
فلسفة البساطة في اليابان
فلسفة البساطة في اليابان تقوم على الاكتفاء بما هو أساسي للعيش. لأن ما يزيد على ذلك لا يجلب لنا إلا الضغط النفسي. يقول مثل في اليابان “يحتاج الياباني لحصير تاتامي واحد لينام و نصفه ليجلس”. المنزل الياباني التقليدي يحتوي فقط على ما هو ضروري من الأثاث و الأدوات. غالبا ما تكون خفيفة و صغيرة بحيث لا تحتل حيزا كبيرا. و تصمم على نحو جميل بحيث يسهل طيها، نقلها و يمكن أن تختفي قبل كل استخدام أو بعده، فحسب مبدأ البساطة. كلما امتلكنا القليل تحررنا من عبودية الاستهلاك. و كنا كثر سعادة.
أصول اسلوب البساطة في اليابان
ترجع جذور أسلوب البساطة في اليابان إلى فلسفة تدعى الفنغ شوي السائدة في شرق أسيا. الفكرة الأساسية لهذه الفلسفة هي كالتالي: نحن نتأثر باستمرار بكل العناصر المحيطة بنا. إذ تحدث انتقالات معينة للطاقة لا نراها بالعين المجردة بيننا و بين كل الأشياء التي حولنا. بعض هذه الطاقة سلبي و أخر ايجابي. لذلك حسب هذا المبدأ فالمنزل الممتلئ بالأشياء و الذي غالبا ما يكون غارقا في الفوضى و انعدام الترتيب. يؤثر سلبا على نفسيتنا من حيث لا ندري. و في المقابل المنازل التي يكتفي أصحابها بالقليل من الأثاث، و يتركون الكثير من المساحات فارغة فهي المنازل التي تحقق اكبر قدر من الراحة النفسية.
إن منزلنا هو المأوى الذي نلجأ إليه لنرتاح من صخب الحياة في الخارج. لكن مما لا شك فيه أن مقدار ما يحتويه المنزل من أغراض. و كيفية تنظيمها سيحدد إن كان المنزل فعلا سيحقق هذا الغرض أم لا. فبطبيعة الحال سوف لن يساعدك منزلك على تحقيق الراحة النفسية إذا كان مبعثرا. ممتلئ بالكثير من الأشياء التي لا تحتاج لمعظمها. و اقتنيتها فقط بدعوى أنه يمكن أن تحتاج إليها يوم ما. أو إذا كانت خزانة ملابسك ممتلئة عن أخرها. بحيث يتوجب عليك قضاء وقت طويل لتبحث عما تريده. أو إذا كانت قطع الأثاث الكبير تحتل المنزل بحيث يتطلب منك الأمر الكثير من الجهد و الوقت للإبقاء عليها نظيفة. و هي فوق كل ذلك تحد من حريتك. أو إذا كانت رفوف مكتبتك ممتلئة بكتب لا توحي بشيء.
داخل منزل ياباني
إذن لنلقي نظرة على منزل ياباني. فأول شيء سيسترعي انتباهك هو أنه لا يوجد فرق كبير بين منازل الأغنياء و الطبقة المتوسطة. لنبدأ أولا بغرفة النوم. عادة لا يوجد بها سرير بل فقط حصير تاتامي. فاليابانيون ينامون و يجلسون على الأرض. إذا انتقلنا إلى المطبخ فسنجده في غاية البساطة. بحيث لا يحتوي إلا على الأواني الضرورية و هم يحرصون على ترتيبها بشكل جيد، غرف أخرى لا تحتوي إلا على كرسي أو كرسيين و طاولة. ما الفوائد التي يجنيها الياباني من العيش في منزل بسيط كهذا؟
أولا تنظيف المنزل لا يتطلب جهدا كبيرا.
الوقت يساوي الحياة. منزل بسيط يعني انه لا يتطلب الكثير من الوقت لترتيبه. و بالتالي يصبح الوقت متوفرا لممارسة أنشطة أخرى.
توفير المال الذي يصرف في شراء الأثاث و صيانتها.
الترتيب الجيد و وجود مساحات فارغة يؤثر إيجابا على نفسيتنا، يمنحنا شعورا بالهدوء و السكينة.
يعتقد الكثيرون أن حركة المينيماليزم أو التقليل. التي تدعو الى اتباع نمط حياة بسيط عن طريق الاكتفاء بتملك الاشياء الضرورية فقط. قد استوحت الكثير من مبادئها من فلسفة البساطة في اليابان التي تضرب جدورها في اعماق تاريخ هذا البلد.