موريتانيا أرض الصحاري الشاسعة، همزة وصل بين العرب و افريقيا، بلد المليون شاعر، سكانها الذين لا يتعدون 4 مليون نسمة هم خليط من العرب و الأمازيغ و السود الأفارقة، لقد ارتبط اسم موريتانيا في مخيلتنا بصورة الكثبان الرملية و الشواطئ الساحرة و جلسات الشاي، في هذه المقالة ستكتشف حقائق قد لا تعرفها عن موريتانيا.
موريتانيا و غرابة الاسم
من المثير للاهتمام أن كتب التاريخ لم يسبق لها أن أشارت إلى موريتانيا بهذا الاسم، بل كانت تسمى بلاد شنقيط نسبة إلى مدينة شنقيط التاريخية التي كانت تعتبر من أهم مدن العالم الاسلامي، إذن كيف تحولت شنقيط إلى موريتانيا و من أين أتى هذا الاسم؟
أول من اطلق على موريتانيا هذا الاسم كان المستعمرون الفرنسيون أواخر القرن التاسع عشر، فعندما أصبح هذا الجزء من افريقيا تحت سيطرتهم بحثوا في كتب التاريخ القديم على اسم مناسب له، فوجدوا أن الرومان كانوا يطلقون على كل بلاد المغرب العربي بلاد المور أي بلاد سود البشرة، كما أنه خلال الحكم الروماني لشمال افريقيا تشكلت مملكتين تحملان اسم موريتانيا موريتانيا الطنجية في شمال المغرب، و موريتانيا القيصرية في شمال الجزائر، و كما يظهر فإن موريتانيا الحالية لم تكن على الاطلاق جزءا من هاتين المملكتين.
و على هذا الاساس فإن اسم موريتانيا لا يمت لتاريخ البلاد بصلة، و مع ذلك فقد أبقت البلاد عليه بعد استقلالها عن فرنسا.
شنقيط المدينة التاريخية
عودة مرة اخرى إلى شنقيط التي كانت تسمى بها موريتانيا سابقا إنها مدينة تاريخية ذات أهمية كبيرة سطع نجمها في القرن السادس عشر و السابع عشر، لأنها كانت ملتقى الحجاج خلال موسم الحج. و أيضا اشتهرت بكونها مدينة المكتبات الضخمة التي تضم بين رفوفها أنفس الكتب.
فلأداء مناسك الحج كان سكان موريتانيا يجتمعون اولا في شنقيط، تم تتجه قوافلهم صوب الأراضي المقدسة، و يقضون في هذه الرحلة الطويلة شهورا عديدة ثم يعودون و هم محملين بأصناف الكتب التي جلبوها من بلاد المشرق، لقد كان كل حاج يجلب معه المئات بل الالاف من الكتب القيمة، و هكذا تشكلت مكتبات ضخمة في هذه المدينة الواقعة في قلب الصحراء.
لقد كانت شنقيط منارة علم و معرفة لسكان موريتانيا و لكل المسلمين في غرب افريقيا، و مازال الكثير من مكتباتها موجودا الى اليوم و تحتوي على مخطوطات نفيسة تعود لقرون عدة خلت. في علوم القران الكريم و الرياضيات و الفلك و الطب و غيرها.
هذه المنارة العلمية اليوم تواجه عدوا لا سبيل لقهره و كل يوم يقتطع جزءا منها ألا و هو التصحر، لقد ابتلعت كثبان الرمال الكثير من أجزاء المدينة التاريخية، و اذا ما استمر الأمر على ما هو عليه فسيأتي اليوم الذي تلفظ فيه شنقيط أنفاسها الاخيرة.و تصبح أثرا بعد عين.
بلاد المليون شاعر
مما اشتهرت به موريتانيا هو كونها بلاد المليون شاعر و انطبعت هذه الصورة في أذهان الناس حتى صارت حقيقة لا تقبل الجدال فهل من بين 4 مليون و نصف من سكان موريتانيا يوجد مليون شاعر أم أن في الأمر مبالغة؟
يعود تسمية موريتانيا ببلاد المليون شاعر إلى استطلاع قامت به مجلة العربي الكويتية سنة 1967 و ذلك بعد ان اندهش صحافيوها من ولع الموريتانيين بالشعر و لأن عدد سكان موريتانيا حينها كان مليون نسمة فقد سموها بلاد المليون شاعر. و هو تعبير مجازي لا أكثر. فلم يسبق لأحد أن أحصى الشعراء ليعرف عددهم بالضبط.
يرتبط الموريتانيون بالشعر ارتباط وثيقا فمعظم الناس هم من المتذوقين للشعر و من الناظمين له فحتى راعي الابل في قلب الصحراء تجده يردد ابيات من الشعر.
و قد جاء الشعر إلى موريتانيا على يد العرب الذين هاجروا إليها خلال الفتح الاسلامي و تجلت أهميته في كونه كان بمثابة الوعاء الذي حفظت فيه علوم الدين و اللغة و التاريخ و قد يتساءل القارئ لماذا لا يعرف العالم العربي شيئا عن شعراء موريتانيا؟ السبب هو كون الشعر يلقى شفويا في الغالب و قلما يدون في الكتب و ينشر فإن دور النشر لم تظهر إلا حديثا في موريتانيا عكس دول المشرق العربي.التي لها باع طويل في هذا المجال.
اطول قطار عابر للصحراء في العالم
قطار موريتانيا هو أحد أطول و أثقل القطارات في العالم، يسير في رحلة طولها 700 كيلومتر وسط الصحراء المترامية الاطراف لمدة 20 سنة متواصلة.و بسرعة لا تتعدى 50 كيلومترا في الساعة.
ينقل هذا العملاق الفولاذي الحديد الخام من منجم الزويرات شرق البلاد إلى ميناء نواذيبو في الساحل الاطلسي، و من هناك يجد هذا الحديد السفن العملاقة في انتظاره لتنقله صوب اوروبا خاصة بريطانيا، فرنسا و المانيا، فتصدير الحديد هو أحد ركائز الاقتصاد الموريتاني.
لا يوجد قطار اخر في موريتانيا كلها عدا هذا القطار الذي لا ينقل على متنه الحديد فقط بل هناك أيضا عربات مخصصة للأشخاص، و أخرى للبضائع فهو بحق شريان حياة الصحراء.
يسير هذا القطار قرابة 20 ساعة بين رمال الصحراء، في النهار حيث قد تصل الحرارة لأزيد من 40 درجة، و في الليل حيث قد تنخفض في بعض أشهر السنة إلى ما دون الصفر، بفضل هذا القطار يستطيع الناس التنقل من القرى الصحراوية النائية شرقا إلى المدن الساحلية الكبيرة كنواذيبو و نواكشوط .
ثروة سمكية لا تجد من يقيمها
تمتلك موريتانيا حوالي 800 كيلومتر من السواحل المطلة على المحيط الاطلسي، و هذه المسافة على تواضعها مقارنة بسواحل دول اخرى إلا أنها تحتضن ثروة سمكية هائلة.
إذ يصادف موقع السواحل الموريتانية صعود المياه الباردة من الأعماق و هي محملة بالمغذيات فتأتي الأسماك على أشكالها و أنواعها لتقتات عليها، و هكذا تتشكل أحد أغنى مصايد السمك في العالم.
لكن الذي يدعو للغرابة أنك لو نظرت إلى أطباق الموريتانيين فستجدها خالية تقريبا من السمك، فثقافة استهلاك الأسماك تبدو ضئيلة جدا في موريتانيا، و السبب في ذلك أن سكان البلاد قد دأبوا منذ القدم على تناول لحوم الابل و الغنم و الماعز نظرا لارتباط حياتهم بالترحال و تربية قطعان الماشية، و باستثناء المدن الساحلية كنواذيبو و نواكشوط حيث بدأ الناس يدركون أهمية تناول الأسماك فإن باقي السكان لا يقيمون لهذه الثروة الطبيعية وزنا، و فيما يكتفي الموريتانيون بصيد كمية ضئيلة من الأسماك باستخدام قوارب تقليدية فإن سفن الدول الاوروبية المجهزة بأحدث الاجهزة هي المستفيد الأول من هذه الثروة السمكية.
إلى اليوم تحاول موريتانيا اقناع شعبها بأهمية إدخال الاسماك في أطباقهم و مازالت النتائج دون التطلعات. إذ يبدو أنه من الصعوبة تغيير النمط الغذائي لشعب من الشعوب.
اخر معاقل البدو الرحل
في موريتانيا لازالت هناك قبائل من البدو الرحل يعيشون على رعي الابل و الماشية و يتنقلون من مكان لأخر بحثا عن الماء و الكلأ و يسكنون الخيام.
لقد شهد هذا النمط من العيش تراجعا كبيرا إثر موجات الجفاف الشديدة التي شهدتها موريتانيا في الثمانينات فانتقل معظم البدو الرحل إلى المدن، و استبدلوا الترحال بالاستقرار.
مستخدمين الجبال و الكثبان الرملية يستطيع البدو الرحل تحديد وجهاتهم وسط الصحراء، و معرفة أماكن توفر المياه و العشب و قد توارثوا تقنيات العيش في الصحراء جيلا بعد جيل.
موريتانيا الدولة الواقعة في أقصى غرب البلاد العربية مازالت لم تبح بكل أسرارها، و من يدري قد تخبأ رمالها أثار حضارات قديمة ربما سادت في زمن من الازمان.